X
    Categories: اعمدة

عبدالباقي جبارة.. يكتب.. ورحل ” أبو السياحة السودانية” عمر مختار..

قبل حوالي ستة سنوات تقريبا وأثناء عملي في صحيفة الوطن طلبت مني واحدة من الشركات العاملة في مجال السياحة والسفر طرف فيها احد أقربائي والطرف الآخر أجنبي طلبوا مني ان اقدم لهم خدمة إعلامية او أكون مستشارا إعلاميا متخصصا في السياحة وبما أن أي صحفي سوداني محترف تجده يمكن أن يقتحم كل أشكال التحرير الصحفي والإعلامي، قد يكون ذلك فيه جانب سلبي هو عدم التخصصية، لكن ايضل فيه جانب إيجابي هو تجد نفسك مؤهل للعمل في أكثر من جهة ومجال ، بالتأكيد قبلت العرض وأنهمكت في كتابة الرؤية والتصورات في المشروعات التي انوي تنفيذها عبر تلك الشركة السياحية، منطلقا من خلفيتي ومعرفتي بتعدد اشكال السياحة في بلادنا الشاسعة ومواردها الطبيعية المتعددة وبالفعل الشركة قدمت عرض شراكة مع وزارة السياحة وكان الوزير حينها محمد ابوزيد مصطفى وتم توقيع الشراكة بحضور سوداني واجنبي ومن بينهم رجل اعمال سعودي على ما اذكر ” التويجري” وكذلك حضور إعلامي كثيف اعددت له بهمة كبيرة حسب معرفتي اللصيقة بالصحف والقنوات والاذاعات، وكان حفلا بهيا أقيم بفندق السلام روتانا وبعث فينا املا قويا بان السياحة السودانية ستشهد تحولا كبيرا على حسب ما أعددنا من تصور بمواصفات عالمية، واستصحبنا في ذلك تجارب دول انطلقت نهضتها من مورد السياحة.. لكن للأسف بعد نهاية الحفل وظهور مسؤلي تلك الشركة مع الوزير ورجل الأعمال السعودي خلال وسائل الاعلام حتى التواصل بيني وبينهم اي القائمين علي تلك الشركة أصبح متقطع ولم ندخل في اي مرحلة تنفيذية ولم ينفذ اي بند من بنود تلك الشراكة، حقيقة أصبت بإحباط شديد للجهد ” الشالو الهوا” وكانت الحسنة الوحيدة بأنني تعرفت على بعض المشتغلين في مجال السياحة والسفر… وكان بينهم الرجل القامة وجيه الخلقة والاخلاق، الذي انتشلني من حالة الإحباط رغم ان المرض أقعده في المنزل لكنه لديه إرادة تهزم المرض الجسدي وكل عاهات هذا الزمن الردي، من خلال مداخلة تلفونية لتقرير صحفي عرفت عقلية هذا الرجل تنم عن عقل مدبر وفكر مستنير، وعرفت أنه عمر محمد مختار الشهير ب عمر مختار أبن عم عبدالرحمن مختار مؤسس صحيفة الصحافة العتيقة حيث سجلت له زيارة بمنزله العامر بالخرطوم ٢ منزل وتعد اسرته من الأسر العريقة والممتدة ومن خلال مؤانسة طويلة عرفت انه من اوائل المشتغلين في مجال السياحة والسفر عندما كان هذا المجال لا يدخله إلا الذي يشبهه وعندما اسمع عمر مختار يحكي عن إمكانيات هذه البلاد السياحية أشعر بنفسي تلميذ صغير أو كأني اتيت من قطر بعيد لا أعرف عن السودان شيئا، وعندما يتحدث عمر مختار عن إدارة الاعمال وخاصة صناعة السياحة وعلاقة القطاع الخاص بالعام كأن هذا الرجل جمع مراجع الجامعات حول سرير مرضه، ودائما تجد مؤانسته لا تخلو من طرافة ورواية النوادر خاصة عندما يسترجع ذكريات الخرطوم حين كان يتسوق فيها رموز الدول العربية، وحين مان فيها تمايز الصفوف بين السوق العربي والسوق الأفرنجي الذي كان لا يدخله احد وهو ” لابس سفنجة” هنا كانت مقار أعمال عمر مختار ” أبو السياحة السودانية” كما أطلق عليه احد الوزراء عندما زاره في منزله وكذلك يتردد عليه عدد من رموز المجتمع وكذا مرة أجد معه الدكتور نصر الدين شلقامي وغيره. وهو رجل غاية اللطافة، حقيقة نشأت بيننا صداقة وعلاقة قوية وكنت الجأ إليه للمؤانسة كلما احس بضيق كأن شجرة ظليل يفر إليها من هجير، وهو يقرض الشعر ويخرج المزحة بحكمة مذهلة.. عندما قصصت عليه “الحلم” الكبير الذي راودني لتنفيذ اأفكار كبيرة مع تلك الشركة، رد علي الرجل بحكمة بليغة وكان رأيه واضح في كيفية تنفيذ الافكار على ارض الواقع حيث وقف معي في تنفيذ إصدارة ورقية سياحية متخصصة في السياحة والسفر بالتركيز على السياحة الطبيعية ووجدنا وعد من وزارة السياحة برعايتها وبالفعل هيأ الاستاذ عمر مختار المقر والدعم المادي للتأسيس وقمت انا بالجانب الفني والتحرير وبالفعل صدرت مجلة ” صباح بلادي” والتي كانت متميزة في كل شئ وبعد صدور العدد الاول أتى وزير السياحة أبوزيد مصطفى للأستاذ عمر مختار في منزله وقام بتكريمه وهذا التكريم موثق في العدد الثاني لاصدارتنا صباح بلادي.. ولكن كالعادة في هذه البلاد العجيبة كما يقول المصريين ” الحلو ما يكملش” توقفت صباح بلادي.. لكن لم تتوقف العلاقة مع هذا الرجل الذي اعتبره “عملة” نادرة والذي وافته المنية خلال هذه الايام والموت حق ونشهد لهذا الرجل بالصبر والجلد على الإبتلاء ورضا النفس وحسن الخلق وسماحة التعامل.. حقيقة أفتقدته على المستوى الشخصي وتملكني الحزن لفراقه، ولكن عزاءنا بأنه عاش الدنيا بحقها وذهب عنها بسترته وعزته وكرامته وترك ابناء كما يقولون ” إذا وضعتهم على الجرح يبرأ” من خلاله تعرفت علي حامد الذي اخذ منه كثيرا واحمد صاحب الافكار المتجددة والذي يسعى دائما للمواكبة وآمنة هذه البنت النحلة وهي التي يقال عنها خلف كل رجل عظيم إمرأة آمنة هي سند إخوتها كما كانت سند والديها وحقيقة لدي الراحل ولدين آخرين لم اتعرف عليهم لوجودهم خارج السودان واحد بالسعودية والآخر بالسويد وأكيد سيكونون من هذه الطينة الطيبة.. نسأل الله العلي القدير ان يتقبل عنده عبده عمر مختار وينزله منازل الصديقين والشهداء ويجعل قبره روضة من رياض الجنة ويجعل البركة في ذريته الي يوم الدين وان يلهمنا وذويه الصبر وحسن العزاء
إنا لله وإنا إليه راجعون