X

الروائي ” ملولحة ” .. يكتب …”ستموت في العشرين” العلامة الفارقة في تاريخ السينما السودانية

ستموت في العشرين
العلامة الفارقة في تاريخ
السينما السودانية
____________________
بقلم الروائي/ محمد الأمين مصطفى
______________________________

حالفني الحظ حين دعاني إبن خالتي مليجي لحضور فيلم ستموت في العشرين عبر موقع نتفليكس في دارهم العامر وعلى شاشةٍ ضخمة .. زاحمني الفضول .. وداهمتني وتقاطعت أمامي الكثير من التوقعات المتباينة .. فالفيلم قد ضج به العالم منذ عرضه الأول والعروض التي تلت وحتى يومنا هذا .. وتنافست المهرجانات العالمية على الإحتفاء به والتغزُّل فيه .. ونال قرابة العشرين جائزة عالمية .. ودعمته الدولة للمشاركة في مهرجان جوائز الأوسكار العالمية بخطابٍ رسمي من وزارة الثقافة .. وتمازجت حوله الآراء ما بين منتقدٍ لمحتواه ومصفِّقٍ لتفرّده .. أضف إلى ذلك صُنّاع الفيلم .. فالكاتب صديقي الرائع حمور زيادة الذي أثق جداً في إبداعه المنقطع .. والقصة مأخوذة من مجموعته القصصة النوم عند قدمي الجبل .. أما المخرج فأعرفه وأعرف آماله وأحلامه التي صاغها من قبل أن يجمعنا سوياً عملاً طوعياً في أحدى السنوات الماضيات .. وصاحب المُتنفس السينمائي سودان فيلم فاكتوري الأنيق مظهراً ومخبأً طلال عفيفي الذي كان جزءاً من طاقم التمثيل .. كل تلك العناصر أثقلت قلبي وجعلته يختلج بدقاتٍ قلِقة .. يا تُرى .. مع أي الفِرق سأكون بعد الفراغ من مشاهدة ستموت في العشرين..؟ بدأ الفيلم بجيفةِ بقرةٍ سوداء يقف عليها صقر .. ثم تلاه مشهد الأم والأب مسرعين نحو القباب التي يجلس تحت إحداها الشيخ ليبارك لهما المولود الذي سمياه مزمل .. وحولهم ذلك الضجيج الصوفي المعروف لدينا بقرع الطبول وأصوات الذاكرين وهيام الدراويش .. كان المشهد رائعاً إلى درجةٍ جعلتني أضرب سياجاً حولي فصرت بعدها لا أشعر بشئ .. ومن هنا بدأ الإمتاع .. وحتى لا أتسبّب بإحراق أحداث الفيلم .. سأدلف في تفاصيل قد شدّتني إلى درجةٍ كبيرة .. وأولها مواقع التصوير .. فقد برع أمجد أبوالعلا في إختيار مواقع طبيعية دون إحداث تغيير فيها .. ثم تجيئ عين الكاميرا المحترفة لتعكس قوة ألوان البيئة السودانية لدينا .. فقد جاءت الصورة بديعة وقوية ومختلفة عن سائر ما شاهدناه في السينما من قبل .. فالمكان لدينا أقوى من الصورة نفسها .. النهر وجنباته .. حوائط الطين والبيوت القديمة .. الدراويش وضفائرهم وما يرتدون .. ألوان بشرتنا الذهبية مع بياض جلابيبنا ولون الأرض من تحتنا .. شممت رائحة الطين والشاطئ وبضاعة الدكان القديم وروث الحصان وحتى محتويات شنطة العجوز الحديدية .. وكانت الروعة التى أخذتني بعيداً وسحرتني كثيراً .. منزل المهاجر الذي أدى دوره العبقري محمود ميسرة السراج .. فهو تحفة فنية عتيقة ضاعفت من وقع الفيلم وجماله في نفسي لتفاصيله الديكورية المتفردة .. وهو فيلماً آخر بداخل الفيلم .. وأكثر ما أعجبني أيضاً إيجاز الحوار وبيانه.. فهو ليس بالطويل الممل .. ولا بالقصير الغامض .. جاء الحوار بقدر الحاجة ولم يفسر كثيراً الحدث .. جاء من غير إخلال .. تاركاً تساؤلات رائعة للمشاهد بحيث يشعر أنه جزءاً أصيلاً في مجرى الحكاية وتلاطماتها .. حقاً أقول بأنني كنت معهم .. أجيب وأتساءل وأتحدث نيابة عن أبطال الفيلم .. بالرغم من أن المشاهِد جاءت ناطقة بقوة الصورة ومحتواها الفريد .. والأبطال فيه إستحقوا إنتقائهم .. واجادوا وبرعوا فيما أوكل إليهم من أدوار بالدرجة الإحترافية العالية .. ثم تأتي المشاهد الساخنة التي وجدت جدلاً كبيراً وأحدثت الكثير من الآراء حولها ما بين رافضٍ بوازع الدين والأعراف وما بين موافق لقيمة الفيلم الفنية والإبداعة .. شأنه شأن مئات الأفلام التي نشاهدها في كلّ يوم على الفضائيات .. فهي مسألة نسبية للمشاهد الكريم في كل أنحاء العالم .. ولا أريد التحدث عن هذا الأمر .. لأن ذلك يندرج في باب الحرية الشخصية المطلقة لإبداء الآراء فيما يعرض على الجمهور من فنون .. ولكنّي تحدّثت عن القيمة الفنية الكبيرة التي حواها الفيلم .. وأتوقع أن ينال شيئاً من جوائز الأوسكار .. حينها ستكون السينما السودانية قد ولجت في قلب السينما العالمية ومن أوسع الأبواب .. ولا تنسوا أن لدينا من الثقافات الكثير .. ومن الطبيعة ما يخلب الألبان .. ولدينا قصص وحكايات وفرسان وشعراء وفنانين وزعماء ووطنيين وأحداث كبيرة .. كل ذلك لم يرَ النور ويستحق أن يراه العالم .. ونستحقّ أيضاً أن يعرف العالم من نحن .. وما حققه ستموت في العشرين بالرغم من مواقع التصوير المحدودة والتي فرضتها الحكاية وسير الأحداث لأمر ضخم .. فما بالكم إذا إتسعت عين الكاميرا على السودان بما يحويه مما تعرفون ..؟؟ .