X
    Categories: اعمدة

آلاء بابكر .. تكتب .. ” صراع الاحتضار “

نلحظ أن العالم اليوم تسوده حالة غير طبيعية في مختلف الأصعدة تنبع من جهل و قراءة خاطئة للواقع مع عدم القدرة على التغيير الإيجابي للفرد والمجتمع. فالإنسانية تعيش صراعات وحروب متنوعة أبرزها صراع الفوضى الفكرية الذي تنبثق منه الحروب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية ؛ والتي تعتبر امتداداً وتكملة للحرب العسكرية مرتفعة التكلفة على المهزوم و المنتصر على حد سواء. فتزداد خطورة الشائعات والحرب النفسية ومدى قدرتها على إختراق الصفوف وبث الفتن، فقد أصاب من قال :
لاتحسبّن الحرب سهما مغفرا..
ولكن سلاح الصائلين عقولُ..

إن حرب العصر تعمل على تغيير السلوك والقناعات ،وميدانها الشعوب والأفراد مدنيين كانوا أم عسكريين، وهي من أخطر الأسلحة لأنها تقوم على إضعاف معنويات الخصم وتحطيم إرادته فيتولد صراع داخلي بين الفرد ونفسه، وبين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها إبتداءً من الأسرة وصولاً إلى الهوية الأممية التي ينتمي إليها. فصراع الفوضى الفكرية يجعل العقول البشرية رهينة لما تبثه من معطيات صائبة كانت أم مغلوطة، تخدم الفرد أم تتعارض مع مصلحته ، الأمر الذي جعل قادة المجتمعات المتطورة في تخبط سلوكي تجاه الشعوب التي يتحكمون بمصيرها مما أفقد تلك الشعوب القدرة على الإختيار الصحيح لما يحقق أهدافها .
ولعل ما نشهده هذه الأيام من فوضى صبغت المجتمع بصبغة الشك والتخوين من أبسط الصفات التي يطلقها الفرد على الآخر الذي يشاركه أو ينافسه في تحقيق أهدافه، حتى أصبحت سمة الشك تتناول كل ما نقوم به من حياتنا اليومية، كما يحدث في هذه الأيام من ترويج كبير لبعض الرموز والدلالات التي اعتدنا على رؤيتها في أماكن مختلفة من العالم دون الربط الظاهري أو الضمني بينها.
إن اختراق العقل البشري لا يتم في المجتمعات التي يكون العمل فيها مقياس لمكانة الفرد ومدى تطوره ، بل يتضح لنا جليا أن مجتمعاتنا هشة الاختراق ، حتى أصبحنا فئران تجارب لعلماء الأمم المتقدمة و أصبحنا لا نبحث عن مكونات النهضة الحضارية بالقدر الذي نسعى فيه فقط للتقليد الأعمى لعادات وتقاليد غيرنا ؛ الأمر الذي إنعكس سلبا على نتاجنا الثقافي والحضاري، وجعلنا أمة متقدمة عالميا في ميدان تجارب صراعات الفوضى الفكرية ، فنحن أمة إرث حضاري لكننا نترنح ونلفظ في ما بقى لنا من أنفاس الاحتضار.