X
    Categories: اعمدة

هيثم مسند .. يكتب .. رجال حول الدويم .. الاديب عمران العاقب

هو الاستاذ عمران العاقب عبد المجيد ولد بحي ابروؤف بمدينة أمدرمان سنة 1924م كان والده العاقب عبد المجيد يعمل سائقاً بمصلحة المساحة ،والدته التائه بت سعيد الفهاق، وفي مقتبل صباه توجهت أسرته إلي الدويم موطنها الأول.فالتحق بخلوة الفكي حمودة ثم مدرسة الدويم الريفية الأولية التي أسست سنة 1905م بمنزل احد أعيان الدويم حيث حولت للمبني الاسمنتي الموجود حاليا في عام 1908 ثم التحق بمدرسة بالريفية الوسطي التي حولت من مدرسة أولية إلي وسطي عام 1936م بعد قيام معهد التربية بخت الرضا 1934م ويعد الاستاذ عمران العاقب من المخضرمين الذين درسوا فيها أولية ووسطي ،ثم التحق بكلية غردون التذكارية(قسم معلمي الأولية) وبعد تخرجه فيها عمل مدرساً بمعهد التربية بخت الرضا ولقد تم نقله من مدرسة بخت الرضا الأولية إلي مكتب النشر التربوي بتوصية من مستر هودجكن، وعمل محرراً ورساماً لمجلة الصبيان التي صدرت من مكتب النشر ببخت الرضا سنة 1945م. وبعد أربعة أعوام عاد للعمل ببخت الرضا بطلب من عميد المعهد مستر قريفث وقتئذ عمل مع الأستاذ مبارك إدريس بمكتبة التسليف بالبريد حيث كان يتم تسليف الكتب للمعلمين بالبريد وإعادتها بنفس الطريقة ، ثم تولي أمانة مكتبة معهد التربية بخت الرضا لمدة عشرين عام، فواصل مسيرته التربوية والتعليمية مفتشاً فنياً بالتعليم الابتدائي إلا أن صار خبيراً في المناهج التعليمية ،. وفي سنة 1955م حصل علي دبلوم المكتبات من جامعة برستول بالمملكة المتحدة،وأثناء دراسته هناك قضي فترة تدريبية نظمتها منظمة اليونسكو علي كيفية العمل بالمكتبات.كما تلقي دورة تدريبية أثناء عمله بالجامعة الأمريكية ببيروت وكذلك حصل شهادة فن الإدارة التربوية من جامعة بيروت بدولة لبنان وأيضا تدرب علي الفهرسة العربية في منظمة اليونسكو بباريس ‘ثم نال علي شهادة تدريبية في فن المكتبات من جامعة الخرطوم.وفي سنة 1969م تمت ترقيته لكبير موجهي التعليم الأولي بمديرية دارفور الكبرى،وعند ترقية السيد سعد عوض الله من نائبٍ لمحافظ دارفور في مطلع السبعينات إلى محافظاً للمديرية الشمالية،طلب نقل الأستاذ عمران العاقب معه ،فقضي معه عاماً كاملاً بالشمالية ثم نقل لمديرية كسلا مديراً للإدارة التربوية بمديرية كسلا بالإقليم الشرقي. ومن انجازاته تأسيس مكتبة بنك فيصل الإسلامي وعمل فيها سبعة أعوام. مما يجدر ذكره أن المستر قرفث عندما فكر في إصدار كتابه (المعلم محورًا ) لتمحيص نوعية التعليم الأولي في السودان وتقييمه في الفترة من 1935/1970م قد استشار عدداً من الخبراء التربويين في السودان وطلب منهم تسهيل مهمته في انجاز مشروعه فكان من بينهم الأستاذ عمران .وهو الذي ترجم قصيدة الملاح العتيق للشاعر الانجليزي صموئيل ويمر بها ويدخلها في حشاشة اللغة العربية الشاعرة بقدرة وفصاحة وياليته واصل الترجمة حتى تتم قصيدة الملاح العتيق –البروفيسور عبد الله الطيب كان في بخت الرضا وشاعرنا عمران كان أمين المكتبة المركزية ويكتب ما يكتب من ترجمة الملاح وانفعل الشاعرعبد الله الطيب ببيتين هما في الحواشي وتخيل لي أن قصيدته السندباد حدي حدوا قصيدة صموئيل كولردج(الملاح العتيق)
The ice was there
The ice was all around
It cracked and growled and Roar and howled
Like no ice in as wound
صقيع هنا وصقيع هناك
لقد شمل الكون ثوب الصقيع
وللريح زمجرة حلتها
هما هم في ليل مريع

فأشاد الأديب محمود العقاد في ندوته المعروفة(ندوة الاربعاء التي كانت تقام بمنزله) برصانة وصياغة ترجمته، فأعجب بها معلقا ( الترجمة أفضل من الأصل) وذات القصيدة ترجم منها صديقه العلامة البروفيسور عبد الله الطيب نثراً صاغه عمران شعراً ونشرها عبد الله الطيب في كتابه(المرشد إلي فهم أشعار العرب وصناعتها) الذي بدا كتابته في بخت الرضاـ وهو يوضح ما يمكن توضيحه من معاني كورلدج وكان الأستاذ عمران من الذين اعترف بفضله في مده بالمراجع والكتب وإرشاده وتبصيره بما كان غائب عنه . له عدة بحوث ومقالات نشرت في مجلة بخت الرضا
خير أنيس-مجلة بخت الرضا –العدد(8)-ص 30-1953
الدولة والمكتبة-مجلة بخت الرضا-العدد(21)-ص79- 1965
التخطيط التربوي-مجلة بخت الرضا العد()-ص98-1967م
وله ديوان شعر مطبوع يحوي علي مجموعة من القصائد مثل: نعي ورثاء—من وحي العيد الفضي-الملاح العتيق-العيد الذهبي – المسجد الأقصى والعيد الذهبي. كم انه أثلج صدور كل أهل السودان والأمة الإسلامية والعربية عندما فاز بالجائزة الأولي في مسابقة الشعر العالمية التي نظمتها هيأة الإذاعة البريطانية في لندن سنة 1980م والقصيدة تتناول الهجرة النبوية الشريفة،ولقد شاركه في هذه المسابقة أكثر من ألف ومائتين من الشعراء من جميع بقاع العالم .
قصيدة الهجرة

مَا رَبْعُ مَكَّةَ إِنْ قَرَّ الأَلِيْفُ بِهِ رَبْعٌ وَ لا فِي حَوَاشِي لَيْلِهَا سَمَرُ
صَوْتُ السَّمَوَاتِ هَزَّ البِيْدَ فانبعثتْ عَزائِمٌ تابَعَتْ مَا سَطَّرَ القَدَرُ
سجى الدجى خاشعاً والبيد أرعشها سهدُ الليالي وأضنت سُوحَهَا الفِكَرُ
والراسياتُ علي البطحاءِ تغمُرُهَا سود الظلام وفي أعماقها الحذر
والريح تمشي الهوينى في الشعاب فما يهتز من روحها نجم ولاشجر
توجسٌ ليلها غدر مرابعها وفي سواد دجاها يكمن الخطر
والمشركون بها عين يؤرقها في خاشع الليل ذاك الهم والسهر
خفوا لدارك تحدوهم جهالتهم حفوا بها في كوى الظلماء واستتروا
وجعلت من بين أيديهم منيع ذرى يرتد دون حماها في السنا البصر
قر الإمام لا السهد طاف به ولم تخفه المنايا دونها النذر
شجاعة تخجل الأيام عزتها تاج الوفاء علي هاماتها نضر
في ليلة ما رعاها الأمن عن حذر ولا أطل علي آفاقها قمر
وللرفيقين في أحشائها خبب تحدى النياق ووجه الليل معتكر
هضاب مكة أحزان تؤرقها من بعد نأيك في ظلماتها الفكر
تلفت القلب تحناناً وما فتئت شم القلوب بفيض الحب ينهمر
وصاحب لك في إيثاره قبس من النبوة لا يرقى له النظر
فما تقاعس إلا ذاكراً طلباً مراجل الحقد تحدوه فتستعر
وما تقدم إلا ذاكراً رصداً دون الطريق بدت من دونه الستر
يطوف حولك إشفاقاً وتفدية كما يطوف ببيت الله معتمر
حتى تراءي لكم ثور يزلزله شوق يكاد من التحنان ينصهر
حمواكما الغار والصخر العتي به يكاد من رقة كالقلب ينفطر
وساحة الغار إذ مالت بمسمعها علي فم الغار يشجي سمعها الخبر
أعرت من الوُرق مطراباً يهيجها ذكر الأليف فيبكي الناي والوتر
أوهى البيوت ستار باء ناظره بحسرة غالها في مهدها الشرر
وَهْيَ الفتاةِ وإن لم يحمها نفر فدونها الزائدان الدين والخفر
وحيدة في فلاة كم يضل بها أخو المهالك وهو الظافر الحذر
دعت تهامة ركباً والنوى قذف فبات يدفعه للغاية القدر
في محرق من شواظ البيد ما فتئت نار الهوا جر تغذوه فيستعر
أمامه من مرامي البدو مهلكة ما طلها وابل أو زانها شجر
يسري بها الركب في ظلماء حالكة بالنجم يطرقه التهويم والحذر
والليل كم ضم في أحضانه سيراً في طيها تقرأ الأحداث والعبر
حتي إذا الفجر في آفاقه انبلجت أنواره وتهادى روحه العطر
خف الصحاب إلي رب السماء لهم ضراعة إثرها للدمع منحدر
الله أكبر ملء السمع رددها في مسمع البيد ذاك الذر والحجر
فشاق يثرب من تطريبهم نغم تحدى به العيس إما ملها السفر
تدنو فيدنو المنى في سعد طالعها حتي بدا لهمو في أفقها أثر
فللبشاشة في الوجدان مرتبع وطالع في وجوه السفر يبتدر
بمثله قوبلوا حفت بهم مهج كانت لمطلعهم في الجمر تنتظر
الدين ألفهم شتي مذاهبهم فآمنت زمر في إثرها زمر
وضمهم من قباء في تفوقهم مبنى يصلي به عان ومقتدر
بلال صداحه كم هز أفئدة وفي العيون أتى بالدمع ينهمر
من خشية الله قد جافت جنوبهم مضاجعها وتغشى ليلهم سهر
ففي بهيم الدجي تكبيرهم غرد من سحر إرنانه يستيقظ السحر
كم تهت في جوفه يصغي له أبداً معذب في ضلوعي خافق ضجر
حيران يرهقه من دهره زمن باكٍ أساه علي الأيام يستعر
وعندما رد المستر قريفث علي أهله الانجليز وقال لهم(أيها السياسيون البلهاء..إنكم لا تنظرون إلا تحت إقدامكم،فهذا الشعب لن يظل هكذا مستعمرة لأنه لابد يوما سيكون مستقلاً،ومن هنا وجب عليكم تهيئته علي هذه القيم والمفاهيم.وعلي إعداد امة ناشئة نحو الحكم الذاتي والخروج بمجموعة من السكان من مجتمع القبيلة،إلى مجتمع الدولة الواحدة بكل ما يتطلبه ذلك من تغيير في أنماط السلوك والاتجاهات الوطنية..ولابد من أن يأخذ تعليمنا بعد تربوياً صحيحاً واضحاً‘وذلك اهتمامنا بالطفل من ناحية،ومن ناحية تلبية رغباته وميوله وتنمية ملكاته وقدراته).وقد سجل الأستاذ عمران ابن بخت الرضا والدويم ،هذا الموقف العدائي من بعض السودانيين وبعض البريطانيين في أبيات تقول:-
يـا معهدي هذا جلاك ناطقاً بصنيعه ، وكذلك شأن الخالد
ما كنت إلا السيف يمضي جاهداً ، في كف مرهوبة المكانة ماجد
فلقيت عدوان الجهالة سافرا ،وضلالة الرأي الغبي الفاسد
وشهدت طغيان النفوس إذا نبت عن مسلك الخلق القويم الراشد
فمضيت تعمل للبلاد ،فلم تجد إلا شدائد تلتقي بشدائد
وللأستاذ “عمران” سبعة من الأشقاء هم: “محمد”، و “عامر”، و “احمد”، و “يوسف” و “قريب الله”، “عبد المجيد”، “عبد المنعم”، وشقيقة واحدة: تسمي“زينب”
تزوج الاستاذ عمران آسيا عوض حنفي وهوعديل السفير عوض ساتي وانجبت له كل من د.صلاح،عادل،خالد،كامل،وابنته الوحيدة ياسمين زوجة الدكتور ابراهيم موسي محمد.
ولقد تم أحالة أستاذ الأجيال للمعاش سنة 1984م بعد مسيرة علمية وعملية ذاخرة بالبذل والعطاء وهو من أعلام و أفذاذ بخت الرضا الذين يشار إليهم بالبنان، فوق كل ذلك أنه زاهد عن الأضواء والظهور علي الشاشات البلورية وأجهزة الإعلام ،نسال الله العلي قدير أن يمد في أيامه ويمتعه بالصحة والعافية والعمل الصالح.
ان بخت ملكت قلوب بنيها فتفننوا وتغنوا في وصفها،ودورها ورسالتها.وألهمتم نثراً وشعراً شرفاً لما قدمته وتقدمه وتوثيقاً لريادتها التربوية.ومن بين هؤلاء الاديب عمران العاقب كتب قصيدته هذه بعنوان من وحي العيد الفضي-لمعهد التربية بخت الرضا
هجعت في النضير بين التلال واستعادت حلم الليالى الخوالى
من تراث الماضي عليها جلال نسجت وشيه أكف الخيال
حاضر مشرق يحف به المجد ويسعى اليه ركب المعالى
شيدته عزائم تشد اليأس وتحى في النفوس روح النضال
وقفوا صامدين في مدلهم من خطوب هدت قوى الأجيال
اسهروا الليل في طلب المعالي واستقادوا المنى بعزم الرجال
واضاءوا نهج الحياة لشعب كان يحيا في الذل والأغلال
محقوا ظلمة الجهال بالعلم وردوا ضلالة الجهال
كل هذا والدهر ليس بدهر في زمان بالسعد غير موالى
كل ليالي مضت واخرى تقضت بين سهد يزكيه ضوء الذبال
ما ثناهم قصف الرعود ولا الغيث مهلاً بدمعه الهطال
في سجال مع الطبيعة حتى اكبرت فيهم صمود الجبال
فاذا القطر آمل يرتجى وهومثوى الرجاء والآمال
كم قريب اتى يؤم سناه وقريب القي عصا الترحال
أصبحوا يحمدون غب سراهم وأنثنوا صاعدين نحو المعالي
حملوا مشعل المعارف الحق فكانوا الشعب خير مثال
رسل النور والهداية والحق ومثوى الرجاء والآمال
أشبهوا الأنبياء صبراً وعزماً ومثالاً يسمو لأفق الكمال
تلك ذكرى الألى أقاموا صروحاً نشهد اليوم مجدها في احتفال
باركو جهدهم فهذا حماهم وقفوا خاشعين في اجلال
واذكروا ماضياً أفاءوا عليه في هجير الحياة برد الظلال
كل ليل يمر يشهد مجداً ونضال اكرم به من نضال
لك يامعهد سلام حب ووفاء يبقي بقاء الليالى
ان تناسى المحب مهد هواه ففؤادى الوفي ليس بسال

من كتاب شخصيات تربوية من بخت الرضا(تحت الطبع )تاليف هيثم مسند