X

منسي أم روابة.. مع “البُني” في ضل راكوبة.. حكاية زول ليهو قيمة على طريقة العميري..

 

 

 

بقلم : محمد أحمد الدويخ

 

 

على (هامش) الطريق وجدته تحت راكوبة أرفع ما توصف به أنها (حاحاية حصير) ، كان يتأبط هاتفه (رفيقه الدائم )..ألهمني المشهد فكرة أن أوثق له عدة صور من زوايا مختلفة.. (دون أن يقطع حديثه عبر الهاتف).. باعتبار أن بطل حكايتنا (محمد البُني) يعد أحد أبرز شباب مدينة ام روابة الفاعلين في كافة مناشط مؤسساتها الخدمية ومبادراتها المجتمعية العديدة ..عبر مبادرة شارع الحوادث ولجان المقاومة وهندسة المبادرات الطوعية وتنمية مجتمع عروس النيم..

 

 

 

 

 

 

بل يعد البُني بطل الحراك الثوري الأول ..فهو الشاب الذي رفع علم السودان على سارية مايكرويف ام روابة (مع آخرين) ..وساهم بخبرته الهندسية في إنارة متنزه المايكرويف عندما كان الشعب(صابنها) على ذات نهج القيادة العامة(كبارا وصغارا) يتقمصون نفس الروح والحماس الثوري البديع..رافعين شعارات :
(كل كوز ..ندوسو دوس)
والأرجل (ترفس) :
ما بنخاف..ما بنخاف..
بما فيها أرجل (الكنداكات) الملهمات الباسقات كالنخيل..أخوات (رحاب..وتسابيح ولميس )..وأخريات
البُني عاشق العمل الطوعي اليوم غير العادة يحيطه(كوم ) من العملة النقدية (الظاهرة للعيان) في حجره على غير المألوف مما يلزم السؤال:
(من أين لك هذا..يا بُني)..؟
عرف البُّني بأنه مهندس كهربائي معروف..وخبير في تخصصات أخرى..
وزول ليهو قيمة فعلية..على حماسته ونشاطه المعهود في خدمة الآخرين في همة وبشاشة..
عرفه مجتمع ام روابة عضو فاعل بمبادرة شارع الحوادث ومكافح عبر مبادرات عدة..
ولكن يأتي السؤال على طريقة الفنان والشاعر عبدالعزيز العميري وهو يهدي إحدى رفيقاته (شبط ايطالي) فاخر وعندما تسأله :
من أين لك هذا يا عميري وانت بدون(جيب)..!!
يجيب شعرا :
ليكي مليون حق تخافي..
ما دام جيت ليك شبط هدية..
وأنا طول عمري حافي..
المحادثة تطول بين البُني ومحدثه في الطرف الآخر مما جعلني أتجاوز (حرج السؤال) المهم (من أين لك هذا..)
ولكن تظل المفارقة ما بين العميري والبُني أن جمعت بينهما الفكرة :
أبقى زولا ليهو قيمة..
أسعد الناس بي وجودي ..
زي نضارة غصن طيب..
كل يوم يخضر عودي..
البُني هو كذلك..لديه الحلول لأغلب القضايا التي كانت (تشكل) على شباب المدينة عند كل مبادرة ..علاقته واصلة بين الناس كافة..يمشي بينهم أشبه ب(منسي الطيب صالح)..تحسبه يجهل كل شئ ..ولكنه يعلم كل شئ ..
لا أدري من أين كان يأتي بالبوهية وأقلام الخط وأقمشة اللافتات إبان الحراك الثوري وإعلام السودان ويوزعها على الثوار حينها..؟ .. البُني كان الرائد المجدد لمبدأ :
(كان عندك خت..ما عندك شيل)
إبان الحراك الثوري بأم روابة مع ابو ذر الثائر وعاطف الأقرع (الهادر) وأمين ومحمد هاشم ومهند وختام (أب شعر)..كان البُني يحدثك عن الفن بدراية والكفر بمعرفة..بجانب أنه مهندس ماهر في الكهرباء لا تفارق المفكات(بنطاله) الرمادي الاغبش كالعادة مثله تماما..فنان في التصوير عندما يتأبط كاميرته (الكانون)..يحدثك عن أبعاد الصورة وطب الاسنان..وفلسفة الشارع في (تدوير الأشياء)..رغم كل تلك المهارات والخبرات يعرفه الاغلبية وهو يحمل اسم واحد فقط :
البني …!
البُني اسم لا يحتاج إضافة كي يعرفه اصطاف مستشفى ام روابة او موظفو المحلية أو لجان التغيير بالاحياء متقدما مبادرات نظافة المدينة او منسقا فعالياتها الثقافية أو ندواتها السياسة..انه (منسي أم روابة) يا سادتي ..انسان نادر على طريقته..
أو كما قال الطيب صالح في حق (منسي الأصل)..
أما العميري فهو من الشخصيات النادرة التي تركت بصمة إيجابية في حياتنا ..كان بمثابة الفراشة تحلق بين الناس بالعبير …
أعني العميريّ..نعم ..
ومن الأوصاف الباذخة التي يستحقها العميري
ذلك الفنان الشامخ :
صفة (المبدع الشامل)
باتفاق المثقفين والكتاب والمتابعين لمسيرة الحراك الثقافي والفكري بالسودان ..
تميز العميري في مجالات :
(الشعر ..والغناء..والمسرح..والتقديم الاذاعي ..)
نعم كانت له بصمته في التقديم الاذاعي والتلفزيوني عبر عدة برامج منها :
(محطة التلفزيون الأهلية )..(كلام في كلام )..(زي بيتكم ) و (حكاوي من حلتنا)شاركته بالإذاعة القومية (هنا أم درمان)
المخرجة الشاعرة /منال محمد الحسن…
كتب العميري شوامخ الأغنيات الخالدة منها :
الممشى العريض للفنان مصطفى سيد أحمد ..يا نديدي للفنان سيف الجامعة ..على سبيل المثال..
غنى العميري عدد من الأغنيات منها :
لو أعيش زول ليهو قيمة..عيون المها..لمتين تطراني..كان بدري عليك..زمانك والهوى ..أرض الطيبين..يا قمر ..
(1)
يا قمر أنا ما بطولك..
أعجبني من نورك وميض..
شان أنور ..
وأبقى طولك..
(2)
ولما تزعل أبقى باسم ..
حتى في زعلك معايا..
شان البلد ..كل البلد..
تفرح تقول القمرا جاية..
يا سلاااااااام ..
.وغيرها من الأغنيات الزاهية بحنجرته فريدة الأوتار ..
كانت وفاة العميري المفاجئة بعد ثلاثة أيام فقط من انقلاب الجبهة الإسلامية وصعودهم على دفة الحكم بالسودان حيث رحل في الأربعاء 4 / 7 / 1989 م بمثابة الصدمة للمثقفين خاصة زميلاته وزملائه المبدعين المقربين من تجربته الابداعية الشاملة أمثال الشاعر محمد طه القدال والشاعر ازهري محمد علي..والمسرحيين أمثال تماضر شيخ الدين ومنى عبداللطيف(….)..ومحمد عبدالرحيم قرني
وعز الدين هلالي ..ومجدي النور ..حتى قال عن ذلك الرحيل صديقه الشاعر / يحى فضل الله شاعر (يا ضلنا) وصاحب (التداعيات) قال :
(العميري وثق برحيله المتزامن جدا مع انتهاكاتهم الى ذلك التضاد الجميل مع أخطبوط الظلم القبح والظلام..) ..
فيما أوجز المسرحي الفكي عبدالرحمن وفاة العميري في جملة ولكنها ابلغ ما قيل عن وفاته:
(جاء العميري للحياة بنهم.. فكرع منها على عجل.ّ. فشرق فمات..) ..
كما نعته زميلته وصديقته / تماضر شيخ الدين بمرثية أبلغ أبياتها :
باقي الوهج الفضل منك..
ينور مليون سنة ضوئية..
يا متغلغل في أعماقنا..
لآخر ثانية من الأبدية..