X
    Categories: اخبار

جلال يوسف الدقير فى وداع احمد على ابوبكر

بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على رسول الله الخاتم الامين

 

 

الموت هو سهم قضاء الله النافذ و اصدق حتميات الوجود تحققاً و ابانه (كل نفس ذائقة الموت). ولقد وصفه الله جل فى علاه بالبلاء (و لنبلونكم بشىء من الخوف والجوع و نقص من الاموال و”الانفس”و الثمرات ءءء ). و وصفه بالمصيبة ( واللذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله و انا اليه راجعون). و ما بين المصيبة و البلاء يكمن احساسنا بالضعف و الخور. و لقد خاطب الشاعر ضعف انسانيتنا عندما قال: يا بنى النقص و الخور وبنى الضعف و الخور* وبنى البعد فى الطباع على القرب فى الصور. و يكمن ايضا بين البلاء و المصيبة احساسنا المضنى بطعمه المر كلما عبر فوق هذا الجسر المضروب على رؤوسنا المارون من الاهل و الاحباب و رفقاء الدرب. يموت جزء منك حين يموت رفيق عزيز. هذا ما عناه ابو نواس بقوله (وارانى اموت عضوا فعضوا). الارض تنقص اطرافها و المصابيح فى دجى روحك ينطفىء منها مصباح. لقد اتانى صادماً و فاجعاً فجر امس خبر رحيل احمد. رجل سامق القامة و فخيم المعنى تحتشد سيرته بالنبل و الوفاء و تضج بمكارم الاخلاق
شاباً في مقتبل العمر و مقبل الحياة جاء أحمد علي أبوبكر من قريته ( جرا) بمحلية الدبة بالولاية الشمالية إلى عاصمة البلاد و مركزها لا يحمل إلا توكلاً على الله في قلبه و همةً عاليةً في نفسه و إرادةً صلبةً لا تعرف الإنكسار تعيد المحاولة بعد المحاولة رغم المكابدة حتى بلوغ الهدف الذي هو (النجاح)..
جاء الخرطوم مكابداً للسلم الإقتصادي من إسفله و من أول درجاته يرتقيه درجةً درجة لم يقفز بزانة و لم ينبت فجأة بل كابد و عانى و راكم و بنا نفسه لبنة لبنة حتى صار ذلك الرجل الذي نعرفه و نعرف فيه ذكاءه الفطري و معرفته العصامية و نعرف فيه تدبيراً في عزم و حزماً في لين و جداً في مرونة و نعرف فيه تلك الروح المبدئية المؤمنة بخياراتها و قناعاتها التي تلزمه و لا تفارقه…ساقه ذلك بالفطرة الى الانخراط فى صفوف حزب الحركة الوطنيه حيث مغارس القيم و مصانع الرجال.
كان فيه كرماً فياضاً و روحاً مفعمة بالبذل و حب الخير الذي إنساب منه عاماً لخاصةً أهله و ذويه و محازبيه و لعامة معارفه
كان أهل المرؤة و الشهامة في بلادي و لا زالوا عندما يغرسون الشتول و يبذرون البذور أو عندما يبنون الدور يطلقون عبارةً موحيةً للمعاني العالية مشكّلةً للظلال البديعة عندما يقفون عند الزرع بعد غرسه أو بذره أو عند البناء بعد حفر أسسه فيطلقون عبارة الله التي أجراها على ألسنة الناس (للغاشي و الماشي) عبارة فيها وهج الوحي و كل عمق الشرائع كانت دارة أحمد علي بضاحية الصافية مصداقاً لذلك مُشرّعة الأبواب مهيئة الأسِرة تتداخل فيها أزمنة الوجبات ديدناً ثابتاً و دواماً راتباً و كذلك هو حال زرعه في شماليته الكريمة المعطاءة بل كان بكله و كلكله للغاشى و الماشي و صاحب الحاجة و ضيف الهجوع و كأنه المعني ببيت حكيم المعرة:

فلا هطلت عليّ و لا بأرضي * سحائب ليس تنتظم البلاد
و من كانت هذه هي سيرته و تلك هي ص٦فاته لا شك أنه محل نظر الله في دنياه و أُخراه…

تميز الحزب الأتحادي الديمقراطي على لداته و ما أكثر ما تميز به بوجود تلك الثلة العصامية الفاعلة المتفاعلة بقوة و عنفوان و دُربة و دراية و حنكة فاىقة في السياسة و الإقتصاد و قبلهما الإجتماع
حاج النفيدي .. حاج مضوي.. ود الحسين.. ود الجلال..الشاذلى الريح..إبراهيم حمد.. أحمد عبد الْقَيُّوم ..محمد الحسن ع يس و هؤلاء الأجلاء مثالاً لا حصراً كل هؤلاء كان آخر عنقودهم أحمد علي هم نفر من الرجال عرفوا السياسة من شارع الحياة العريض و دروبها المتشعبة و كأن كل واحد منهم هو المعني بقول الشاعر دعبل:
و ما أطول الدنيا و أعرضها* وادلنى بمسالك الطرق

عرفوا الإقتصاد من خلال تدافع المصالح في الاسواق العامة حيث الكدح في اول درجات سلم الإقتصاد..
و خبروا الإجتماع و غاصوا في أعماقه البعيدة حتكاكاً بالناس في الأفراح و الأتراح و تفاعلاً معهم في الخدمات و المناشط…
و خبروا الإنسانية العريضة من خلال إيمانهم العميق بدستور الحق و الواجب فالناس كل الناس عندهم إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق و لكل حقه و مستحقه..
كانت هذه الثلة أيقونة الساحة السياسية العامة و في ساحة الحزب الإتحادي الديمقراطي خاصةً كانوا يتكاملون مع قيادة الحزب التاريخية و اللاحقة بعدها برحيل الشقيق الكبير أحمد علي نفقد آخر حلقة من تلك السلسلة الذهبية الفريدة و المتفردة لكن عشمنا كبير في الكريم الحيي الذي يستحي أن ينزع البركة من محل وضعها فيه…

شهدنا لأحمد علي بحنكة و دراية و إحتراف في ترأسه للمكتب التنفيذي للحزب و في ترأسه لهيئته البرلمانية و الحنكة و النباهة لازمتين من لوازمه لا تفارقانه أبدا
تكفيه اللمحة و ترشده السكتة في الإحاطة بجوانب القضية مهما أشكلت و إدلهمت حتى أن أنداده و لداته وصفوه ب(القصير الذي يبتلع الطوال) و هو وصف رامز دال على عمقه و بعد غوره.. كانت اخر تكليفاته الحزبيه ترؤسه للجنة الوحدة. و لقد عاش العقد الاخير من حياته و و وحدة الاتحاديين همه الاكبر و شغله الشاغل اذا كان يعلم انه لن تكتمل لهذا الوطن منعة محصنه اذا لم يتحد الاتحاديون و اخذو ا زمام المبادرة يديرون عجلة المستقبل من جديد.
احمد عاش بيننا مجسدا بسيرته و سريرته و سلوكه معانى الايثار و التجرد و نكران الذات. ادى الرسالة و حمل الامانة وعاش لاخر رمق من حياته محتقبا هم الحزب و الوطن و سيظل باق فينا ما بقى فى الناس الوفاء و حى طالما حفظ الاحياء وداداً. عزاءى فيه يمتد لكل اتحادى فى اركان الوطن و المهاجر و عهدنا له ان يتحقق حلمه فيما نذر حياته من اجله

رحم الله أحمد علي أبوبكر و جعل أعلى الدرجات من الجنان سكنه و منزله و أناله جوار نبيه و مصطفاه و أهل السبق من أوليائه و نجباه و ان يٰنزل على أولاده و أسرته و أرحامه و أصهاره و عامة معارفه و محازبيه البركة و الصبر الجميل إنه جل في علاه ولي ذلك و القادر عليه