X
    Categories: اعمدة

جدية عثمان .. تكتب .. ” مسافات ” .. قلت أرحل اسوق خطواتي من زولا نسى الإلفة ..

مطار الخرطوم أبريل 2021
قلت أرحل
اسوق خطواتي من زولا نسى الإلفة
أهوِّم ليل أساهر ليل
أتوه من مرفى لي مرفى
رحلت و جيت في بعدك لقيت كل الارض منفى
………

سوف أرحل إلى بلاد أخرى.. عبر قارات أخرى إلى مدينة أفهم لغة الطير فيها و حفيف أشجارها و أصوات الرياح و عجلات القطار .. سأرحل إلى مدينة انصهر فيها و تنصهر فيني، مدينة تذوب بيني و بينها كل الحواجز وتتلاشى . ومع ذالك يظل السودان و جمال الماضي حاضراً في وجداني بقوة، فالخرطوم تتبعني و تحلق في نفسي إلى الابد.. تسكن في خلايا الروح و تنزلق مع الذكريات إلى حنايا النفس فلا المسافة تبعدني عنها، و لا الخيال يفصلني منها…فروحي أصبحت كالعبد الذي لا يود الانعتاق من سيده فهكذا هو حب الاوطان.. الطائرات تقلع الآن من مطار الخرطوم تحمل أفواجا من الناس إلى شواطئ بعيدة أما طائرة روحي فتقلع وتحط من و إلى الوطن، مسكونة به بلافكاك.. الوجوه، المعاناة، الفوضى، الرفاهية، الغبار، حرارة الجو، قطع الكهرباء، صفوف الرغيف و الغاز، والصفوف الاخرى، الابتسامة، الزعل، الفرح، المرض، شارع النيل و ستات الشاي، الهلال و المريخ، النيلان الأزرق و الأبيض… تفاصيل الحياة اليومية تحتلني و تشكل كيمياء الرحيل ثم أرحل جسداً فقط إنه مغنطيس الوطن الذي يثبت اوتاد النفس في مكان لا تتركه الروح لتحول جسدي إلى حقيبة سفر تتنقل بين المطارات القصية التي لم تنقطع حركتي فيها ، رغم فيروس كورونا اللعين الذي منعني من عناق الاحباب بعد طول غياب…

استقبلتني لندن ببرودتها المعهودة و شمسها الناعسة الكسولة.. تذكرت شمس السودان التي لا تغيب و تلك المقولة التاريخية عن بريطانيا

(الامبروطورية التي لا تغيب عنها الشمس). أما بلادي فشمسها لا تغيب تزيدنا سمرة و قوة،و لذلك نرحل ثم نعود لنرتوي من النيل الخالد.
مسافات.. جدية عثمان
ابريل.. رمضان 2021