X

السودان يخزّن المياه خوفاً من كوارث سد النهضة

الخرطوم / ترياق نيوز

يتخوف السودان من مخاطر شديدة وتداعيات ضخمة عليه جراء إقامة سد النهضة الإثيوبي وصدمة الملء الثاني للسد، وفي الوقت الذي تتعثر فيه المفاوضات المتعلقة بالسد مع إصرار أديس أبابا على الإضرار بحقوق مصر والسودان المائية، شرعت وزارة الري والموارد المائية السودانية فعليا في عمليات تخزين كبرى للمياه بخزانات البلاد لتوفير احتياطي مقدر من مياه النيل تحسبا للانحسار المحتمل في يوليو/ تموز وحتى أغسطس/ آب 2021 القادمين، وهو الموعد المعلن من السلطات الإثيوبية للملء الثاني لسد النهضة، والذي يؤدي لتناقص حصتي السودان ومصر من مياه النيل بمقدار 13.5 مليار متر مكعب، حسب تقديرات رسمية. وثارت مخاوف في أوساط السودانيين من التداعيات الكارثية المتوقعة لسد النهضة وأبرزها الغرق في أزمات غذائية، والمعاناة من نقص حاد في الكهرباء، بسبب شح المياه المرتقب، وتأثيرات خطيرة على الزراعة والإنتاج الحيواني والصادرات والصيد وإنتاج الطاقة وغيرها.

الاستعداد لأسوأ الاحتمالات

وقال وزير الطاقة والنفط السوداني، جادين علي عبيد، لـ”العربي الجديد” إن تأثير الملء الثاني لسد النهضة على التوليد الكهربائي بدأ فعليا، مشيراً إلى ترتيبات تجريها آنيا وزارة الري والموارد والخاصة بالتخزين المائي، تحسبا لأسوأ الاحتمالات التي يسفر عنها الملء، مشيرا إلى تسبب هذا التخزين في شح التوليد وتزايد قطوعات الإمداد الكهربائي بالبلاد.

وتوقع عبيد استمرار شح التوليد وبلوغه ذروته من الآن وحتى أغسطس /آب القادم، ما لم يتم التوافق بين الدول الثلاث خلال هذا الشهر على برنامج واضح ومحدد للملء.

وقال الوزير في تصريحاته الخاصة إن الطلب الحالي على الكهرباء بالبلاد يبلغ 3200 ميغاواط، وحجم الإنتاج والتوليد المتاح 2700 ميغاواط، مشيرا إلى أن وزارته تعمل حاليا على تغطية الفجوة بالاستعانة بالتوليد من سدي مروي وجبل أولياء وبعض المصادر الأخرى، ورفع مستوى التوليد بمحطات قري وبحري وجبل الأولياء وأم دباكر بربك. وقال السودان يوم 25 مايو الماضي، إن إثيوبيا بدأت فعليا في الملء الثاني لسد النهضة من دون اتفاق مع القاهرة والخرطوم.

وقال كبير المفاوضين السودانيين في ملف سد النهضة مصطفى حسين الزبير إن “إثيوبيا بدأت في الملء الثاني، وهو أول مخالفة”. ولفت إلى أن “الملء الثاني للسد سيكتمل نهائيا في يوليو/تموز وأغسطس/آب المقبلين”. ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدر سوداني رفيع المستوى، أن إثيوبيا بدأت المرحلة الثانية من ملء سد النهضة في الأسبوع الأول من مايو/ أيار.

آثار سلبية كبرى على الكهرباء

ومن جانبه، حذر مستشار وزير الري السابق، عثمان التوم، من أضرار الملء الثاني لسد النهضة على السودان الذي بدأ بالفعل.

وقال التوم لـ”العربي الجديد” إن منسوب بحيرة سد النهضة يبلغ حالياً 561 متراً فوق سطح البحر، وستشرع إثيوبيا في الملء الثاني فور بلوغ المنسوب 565 متراً فوق سطح البحر، وتوقع أن يتم ذلك بنهاية شهر يونيو/ حزيران المقبل، ما ينذر باحتمالات حدوث آثار سالبة كبرى على التوليد الكهربائي بالسودان، خاصة من سد مروي والذي بدأت كميات المياه تتناقص فيه منذ الأشهر الـ4 الماضية نتيجة اعتماد الدولة عليه في سد النقص الراهن في التوليد الكهربائي الحراري.

وأشار التوم إلى الاتفاق المبدئي للجان الفنية بالدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا على المرحلة الثانية لملء السد، شريطة أن تتم وفق برنامج متفق عليه بين الأطراف.

وقال إن السودان أكثر حاجة لهذا البرنامج مقارنة بدولة مصر والتي أكد وزير خارجيتها سامح شكري، أخيرا، أن الملء الثاني لخزان سد النهضة لن يؤثر على المصالح المائية لبلاده لأن لديها رصيدا من الأمان المتوفر في خزان السد العالي بأسوان (160 مليار متر مكعب)، مبينا أن السعات التخزينية للمياه بالسدود السودانية صغيرة ولا تستوعب كميات ضخمة كالسد العالي ما يفاقم من مستوى تضرره من تناقص حصته من مياه النيل.

وكشف التوم عن تكوين لجنة فنية من وزارة الري للنظر في أسوأ الاحتمالات لما قد يحدث جراء الملء الثاني، وتحسبها بعدم إفراغ سدي الروصيرص وجبل أولياء من المياه للاستفادة منها في سد النقص المتوقع.

ودعا السودان في وقت سابق إثيوبيا لعدم المضيّ قدماً في تنفيذ خطة الملء الثانية بشكل أحادي، مشيراً إلى أنّ غياب آلية واضحة لتنسيق البيانات يمكن أن يؤثر على سلامة سد الروصيرص السوداني الواقع على بعد 100 كيلومتر من السد الإثيوبي، كما يمكن أن يتسبب في نقص حاد في مياه الشرب، على غرار ما حدث العام الماضي عندما أقدمت إثيوبيا، بشكل مفاجئ، على الملء الأول لبحيرة سدّ النهضة بمقدار 4.9 مليارات متر مكعب.

أضرار بالغة بقطاعات عديدة

ولفتت وزارة الري والموارد المائية السودانية إلى تحوطها فنياً للملء الثاني بتخزين كمية إضافية من المياه بخزان الروصيرص لري المشاريع الزراعية ومياه الشرب، عند تناقص المياه الواردة من سد النهضة، كما أنه لن يتم تفريغ جبل أولياء كاملا لأول مرة منذ 100 عام.

وأكدت أن إجراء الملء الثاني دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم يضطرها لمقاضاة إثيوبيا والشركة الإيطالية المنفذة للتعويض عن الأضرار التي ستلحق بالسودان، إضافة لعدم دراسة الآثار البيئية والاجتماعية والمخاطر الأخرى المحتملة للسد.

وقال وزير الزراعة السابق، أحمد علي قنيف، لـ”العربي الجديد” إن تمسك السلطات الإثيوبية بموقفها وتعنتها في تصحيح الأخطاء التي صاحبت إنشاء سد النهضة وعدم اتباع الأسس السليمة للملء تؤثر حتما على موقف التوليد الكهربائي بالبلاد والذي تستفيد منه المشاريع الزراعية كذلك، وستؤثر على القطاع ككل بالبلاد.

وأشار قنيف إلى أن السد كان سيحقق فوائد كبرى للزراعة بالاستفادة من مرور المياه في مجرى النهر على مدار العام وبمستوى واحد ويُحدث استقرارا في الري بالمشاريع المروية والمشاريع الصغيرة على طول النيل حتى دولة مصر ويشجع كذلك على تكثيف الزراعة والدورات الإنتاجية لأكثر من مرة، إن التزمت إثيوبيا بالطرق الصحيحة في إنشاء السد والملء وفق ما تم الاتفاق عليه مع دولتي مصر والسودان خلال التفاوض.

ثروات زراعية هائلة مهدّدة

يوجد في السودان، نحو 200 مليون فدان (الفدان يساوي 4200 متر مربع) من الأراضي الصالحة للزراعة، وأكثر من 100 مليون رأس من الماشية، حسب تقارير رسمية سابقة. كذلك، في السودان توجد مساحات من الغابات والمناطق الصالحة للرعي، بواقع 52 مليون فدان، وأزيد من 400 مليار متر مكعبٍ معدل هطول الأمطار سنوياً.

ويُشكّل القطاع الزراعي ميداناً واسعاً لاستقطاب الأيدي العاملة، فيما تمثل إيرادات القطاع الزراعي ما نسبته 48 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للسودان، وفقاً لبياناتٍ رسميةٍ سابقة.

ورغم الخطط الحكومية الطموحة لتطوير القطاع، تواجه الزراعة في السودان تحديات كبيرة، من أهمها سد النهضة الذي سيتسبب في شح كبير للمياه، بالإضافة إلى ضعف الإرشاد واستخدام الأساليب التقليدية وتأخر تأهيل قنوات الري في المساحات المروية.

وقال الخبير السوداني في الري المهندس، دياب حسن، لـ”العربي الجديد” إن ملء النهضة يقلل الإيراد المائي للسودان وستنسحب آثاره فوريا على الزراعة والكهرباء ومياه الشرب اعتبارا من يوليو / تموز القادم. وأشار حسن إلى تزايد إيراد النيل وبدء هطول الأمطار بالهضبة الإثيوبية، ما يؤدي لحدوث تخزين إجباري للمياه بسد النهضة حال استمرار عمليات بناء منتصف السد وصب الخرسانة لعدم سماح أبوابه بتمرير الإيراد القادم من الهضبة إليه ويؤدي للتخزين. ولفت إلى الأثر المباشر على المواطن بدون تعويض في نقص المياه الجوفية والري الفيضي، والمخاطر السلبية على الغابات والقطاع الغذائي.

وحسب مراقبين، ستؤدي تداعيات سد النهضة إلى صعوبات إضافية على المواطنين، إذ يعاني الشارع السوداني من أزمات معيشية خانقة تتمثل في موجات غلاء متتالية ونقص الخدمات الضرورية كالوقود والكهرباء.

من جانبه، أشار المهندس الزراعي، أحمد إبراهيم النقي، لـ”العربي الجديد” إلى الأضرار البالغة التي سببها سد النهضة في الملء الأول والذي أحدث تدفقاً ضخماً للمياه بولاية النيل الأزرق أدى لتدمير وإغراق كامل للإنتاج البستاني من حدود الولاية وحتى ولاية الجزيرة بصورة غير مسبوقة نتيجة لعدم اتباع إثيوبيا للطرق السليمة في الملء، متوقعاً أن يتسبب الملء الثاني في حجز كميات كبيرة من مياه الفيضان.