X
    Categories: اعمدة

محمد خير عوض الله .. يكتب .. ” تحت الشمس” ..وراق.. دعوة الرشد والعبور الآمن

تداولت وسائط (السوشيال ميديا) اليوم، مجتزءً من محاضرة للأستاذ الحاج وراق في ملتقى (حركة بلدنا) كما يظهر من (الخلفية) وقد أعاد وراق إنتاج اطروحته حول الانتقال الديمقراطي التي سبق وقدمها في مناسبات مشابهة ضمن الحراك السياسي المحموم الذي تفجر عقب سقوط النظام السابق. وقد أحدثت دعوته الراشدة الواعية الناضجة، أصداءً طيبة في دواخلي، فقد ظللت منذ عقدين أكتب بتركيز حول هذه المسألة، واستغرب حقيقة واتساءل:
لماذا لاتعمل النخبة، وفي مقدمتهم، أهل الصحافة والإعلام، وكتاب الرأي، على تعظيم هذه الاطروحة وتسويقها بين مكونات المشهد السياسي المتصارع بطريقة حادة ومؤسفة قد تنتهي بالجميع إلى المجهول!
منذ سقوط النظام السابق، وإلى اليوم، تستعر نيران الخلاف، وفي كثير من وسائل ومواقع التواصل التقني، تجاوز الانحطاط والاسفاف، ولا أظن أنّ خطاب الكراهية من قبل قد استفحل، كما هو اليوم، دون احساس الأطراف المصطرعة بمخاطر هذا الخطاب على التماسك الاجتماعي، ودون احساسهم بمضار ومخاطر هذا الخطاب القبيح على تنافر الهويات الثقافية والإثنية التي لم يكتمل أنصهارها كما ينبغي بعد! رغم أنها عبرت إلى فضاء قومي، وأخرجت (السودانوية) التي تعني جماع كل صفات وخصائص ومكونات وموروثات الشعب السوداني، وهي حالة أنصهار رخوة لاتزال خديج. وبعد لأي طويل استمر لعقود، تطور الوعي عند النخبة السياسية، لتقر مفهوم ومبدأ المواطنة كأساس للحقوق والواجبات يتساوى عنده الجميع.
بعد سقوط النظام وتكاثف الخطاب الثوري، الذي لم تفلح النخب في تأطيره كخطاب طبيعي لمرحلة محدودة، فأصبح الخطاب الثوري هو الأساس في التعاطي بين النخب، فتراجع المشهد، لحقب قديمة سابقة، قد تناسب حقبة دولة الفونج، ويعمل خطاب الكراهية، على شحذ آلات الاستقطاب الحاد، الحادة، وهي معلومة ومسمومة.
رجعت النخب المصطرعة، الحاكمة والتي تسعى للحكم، لاستنفار جزيئات المجتمع الصغيرة، مثل القبائل والعشائر والمكونات الدينية، وظهرت مكونات ووحدات عصرية لكنها متخلفة، مثل (لجان المقاومة) و(الكنداكات) وغيرها، وهي روافد تعمل خارج المؤسسية، وخارج الأوعية العصرية المعتمدة (الأحزاب) التي لم تعد راشدة أو مؤهلة، ولكن لامناص من إصلاحها، والممارسة عبرها ومن خلالها وحسب، وهي منصة الانطلاق الحقيقية وليس سواها.
ماذكره الحاج وراق، يستحق أن يلتف حوله الجميع، فهو طوق نجاة حقيقي، وآمن، وفيه تجد كل التيارات نفسها، وهي تسعى عبر المسلك الديمقراطي المتحضر. إنّ دعوة الحاج وراق هي ذاتها الدعوة التي أطلقها د. حمدوك لحظات وصوله مطار الخرطوم ليستلم مهمة (رئيس الوزراء) وهي ذات الدعوة التي أطلقها د. الترابي في نهاية حكم الإنقاذ (الحوار الوطني) وهي ذات الدعوة التي أطلقها السيد الصادق في الفترة التي تلت سقوط الإنقاذ، وهي ذات الدعوة التي ظلت تصدر عن مولانا الميرغني كل فترة، وهي ذات الدعوة التي عبّر عنها بروفيسور غندور بما أسماه (المعارضة المساندة) وهي ذات الدعوة التي ظلّ ياسر عرمان يعبر عنها بقوة في عدد من المرات، وهي ذات الدعوة التي عبر عنها د. الشفيع خضر مرات عديدة عبر مقالات ومقابلات صحفية، وهي ذات الدعوة التي أطلقها الحاج وراق نفسه بعد عودته للخرطوم في أعقاب السقوط.
ليت النخبة، وفي مقدمتهم أهل الصحافة والإعلام، وكتّاب الرأي، يتجنبون طرائق العامة في (عتالة السباب) وإذكاء الصراع بين مكونات المشهد، ويشيعون بين الناس دعوة وراق الراشدة، التي لامخرج سواها كما قال صاحبها وراق نفسه، لامخرج لأي تيار، مهما كانت قوته، سوى الانخراط في تأسيس انتقال ديمقراطي تجتمع فيه كل المكونات، في احترام متبادل، لتوفير مناخ صحي آمن ومعافي، يمارس فيه الجميع حقوقهم، بكفاءة ونزاهة ورشد، لينتهي الانتقال عبر صندوق الانتخابات. أما طريقة (الانتقام الدائري) و(الكيد المتبادل) و(التربص بالآخر)، فهذا منهج سقيم، وسائله مجربة، ظلت تعمل منذ سنوات، وقد صدئت آلاتها، وانهكت الشعب، واورثته خطاباً ساماً يفتك به صباحاً ومساءً، ويسوق الجميع نحو السقوط الكبير الذي يعرف الناس ويلاته في الصومال والعراق وغيرها. التحية دوماً لصاحب الطرح الراشد، ونردد معه، ونقول: أدركوا المسار الراشد عاجلاً، أو انتظروا الضياع!