X
    Categories: اعمدة

عبدالباقي جبارة .. يكتب .. ” فزع الحروف ” مصر فيك اسباب ” هناي “

طيلة مسيرتي الصحفية والتي امتدت لاكثر من عقدين من الزمان لم تطأ قدماي ارض الكنانة أو قاهرة المعز او أم الدنيا وابوها كمان كما يزودها عشاقها حبتين ولهم حق في ذلك ، كما ادركت اخيرا .. رغم أنني زرت دول عديدة لكن حسب ما يدور في المجالس السودانية اذا لم تزر مصر كأنك تجاوزت محطة هامة في حياتك .. بالنسبة لي لدي اهتمام خاص بما يتعلق بمصر منذ المراحل الدراسية ثم مهنتي الصحفية . وأن قناعتي الراسخة بأن السودان ومصر مثل التوأم السيامي بقلب واحد ورئة واحدة أي انفصال لهما يعني لا حياة وكنت انظر لعبارات المجاملة مثل السودان بلد واحد وإيد واحدة كلها عبارات لا ترتقي لمستوى العلاقة الحقيقية بين البلدين .. لكن قاتل الله ” ساسة يسوس ” التي جعلت الغالبية اذا قلت اي شئ ايجابي بشأن مصر تبهت باتهامات ما انزل الله بها من سلطان .. لكن دعونا هذه المرة نتجاوز محاور العصف الاعلامي في القضايا بين الحكومات ونعبر عن انطباع شخصي لاول زيارة لي لقاهرة المعز .
عندما قررت اكمل نصفي الآخر جغرافيا بالإتجاه شمال الوادي آثرت السعي برا عبر معبر ” ارقين ” بمحلية وادي حلفا .. فعندما علم الصديق العزيز ابن الأكرمين ” خالد الدقير ” “اعتزر له بذكره في الاعلام لانه لا يحب ذلك الذي اجده دائما في جانبي قال لية أنه مستعد لاحضار تذكرة طيران حالا .. فقلت له ابدا حتى لو احضرتها انا مصر اذهب برا رغم علمي بمشقة السفر عبر البصات والذي يستغرق حوالي ” ٤٨ ” ساعة بما فيها الساعات الطوال التي تستغرقها الاجراءات في المعبرين السوداني والمصري ، وابرز الاسباب هي مرافقة المئات من السودانيين الذين يدخلون مصر آمنين يوميا ومن حقهم علينا نحن كصحفيين ان نعرف كيف يعاملون من قبل موظفي المعبرين السوداني والمصري وهذا ما سنتطرق له لاحقا ، لكن الملاحظة المهمة البيئة الممتازة والمهيئة للمعبر المصري ووسائل راحة المسافرين عكس المعبر السوداني رغم المبالغ الطائلة التي يتم تحصيلها ، حيث المعبر المصري بمثابة مطار دولي مع اختلاف الاحتياجات .
والسبب الثاني هو مرافقة زميلي الصحفي مصعب شريف الذي وعدته بذلك اما الاسباب التي أتت لاحقا هي بأن مشقة السفر برا عقاب لي بأنني طول حياتي لم أزر مصر أما السبب الابرز والمهم جدا الذي لا أستطيع كتابة حيثياته في هذه المساحة الضيقة هو الدرس البليغ الذي يقدمه انسان ” صعيد مصر ” بأن إعمار الارض بالعمل وليس بالتهريج ، حيث من محلية اسوان وحتى دخلنا القاهرة ظللنا نستدير يمنا ويسرا فتخلب انظارنا الحقول والمزارع والحدائق الغناء وفي ” قنا ” أسباب هناي ..
فالفلاحون يداعبون ثبياط النخيل وقناديل العنب والمهندسون والفنيون ينخرون الجبال ويصرعون التلال بنيات تحتية من طرق وجسور وكهرباء خطوط أو طاقة شمسية .. وكل ذلك بدون تهريح … حقيقة خجلت عندما تذكرت باننا لدينا سبعة احزاب رئيسية ومائة حزب وحركة في طور التخلق ولدينا سبعة انهار رئيسية وأكثر من مائة جدول ومستنقع مائي وروافد الانهار ولدينا ملايين الافدنة صالحة للزراعة ومسوية مقابل ملايين السياسيين والقادة .. وسرحت بخيالي وكاد ان يفسد علي هذه الرحلة الجميلة . فانقذتني ثلاثة كلمات تجدها مكتوبة على مسافات متباعدة ونحن في طريقنا الى القاهرة هي قاعدة انطلاق الانسان المصري .. و منصات ماركة مسجلة بأسم أرض الكنانة .. وليس شعارات بدون عمل بل هنالك عمل يتجاوز ويناهز المعنى والمضمون . والكلمات .. هي .
مصر الحضارة .. مصر التاريخ .. مصر المستقبل ..
ومن حق أي انسان يعيش فيها سواء كان مواطن أو اجنبي أن يردد ” مصر فيك اسباب هناي ” وليس اسباب أزاي التي جادت بها قريحة أحد الشعراء السودانيين لظروف خاصة به مر بها .. ونوردها أدناها حتى لا يختلط على الناس ” الهناء في مصر والاذى الذي اصاب الشاعر بقدر رباني “

هذه الأغنية من تأليف الشاعر حسن عوض أبوالعلا حيث يروى انه سافر إلى جمهورية مصر حيث كان يدرس في كلية فيكتوريا وفي تلك الفترة درس كثير من السودانيين منهم الصادق المهدي ومأمون بحيرى وسعد أبو العلا والشريف حسين الهندي. وقد أراد الشاعر أن يقفز للسباحة في البحر فأصيب بشلل سبب له عاهة مستديمة استمرت عدة سنين إلى أن توفاه الله. وأثارت تلك القفزة في نفس الشاعر إحساس الحزن والألم ومنها تحول منزله في أم درمان إلى صالون فني يجتمع فيه لفيف من الشعراء منهم حسن نجيلة والفنان الراحل أحمد المصطفى ولو لم تكن حادثة الشاعر أبوالعلا لما كان الصالون وقد كان الصالون بمثابة محراب للفن..
بطرى اللي آمال وغاية
وما بتحمي المقدور وقاية
يسلم نهجي من الرماية
سفري السبب لي اذايا
فرقة و فقدان هنايا
بطرى حبيب املي و منايا
وابكي على هذي النهاية
و ببكي على تهديم بنايا
ليت حبيبي علي ناح
فيك يا مصر أسباب اذايا
وفي السودان همي و عزايا
صابر و لم اعلم جزايا
والتأويه أصبح غذايا
صرت مسلم لي ردايا
زي طاير مكسور جناح
دهري ان صابني بكل خفايا
وحطم و عكر لي صفايا
برضي على حبي ووفايا
واعلم في وجودك شفايا
شي من لا شي بس كفايا
علو بمسّك اجد نصاح
ماذا اؤمل حيران ببكي وبامل
ولهان ببكي و بامل
وحيد ببكي و بامل
آهـ يا هوايا وآهـ يا منايا
وحيد سهران برايا
انيس دمعي و بكايا
آه يا كناري و آهـ يا قماري
طيري لي تعالي
وحيد ليلي و نهاري