X

أبوعاقلة أماسا .. يكتب .. في المناطق التي تحكمها الحركة الشعبية ..إطلاق رصاصة واحدة عشوائية تغرم الفاعل “بقرتين”

برغم أن كل الناس هنا يحملون الأسلحة، أقلها الكلاشنكوف وخرطوش الصيد، إلا أن الزائر إلى مناطق الحركة الشعبية في جبال النوبه يكاد يتنسم عبير السلام والأمن في معاملات الناس ويقرأه في وجوههم.. تلك الوجوه التي عاشت أقسى أيامها تحت قصف الطائرات والمدافع، والغارات الجوية التي لم تميز صغيراً أو كبيراً وبين رجل وامرأة، وقتلت البعض وهم في مسجد سلارا يؤدون صلاة الظهر.. قطعاً هي وجوه تعرف قيمة الأمن والسلام جيداً وتدرك معنى أن يكافح الإنسان لكي يحيا حياة كريمة وإن أحاطت بها المعاناة من كل الإتجاهات، ويكفي أنه يزرع ويرعى حيواناته ويعتاش بالقليل مع قناعة تكفي العالم أجمع..!
* رغم أن الكل مسلح والبعض لا تفارقهم أسلحتهم الشخصية.. إلا أن قوة وهيبة القوانين المحلية تقيد إستخدام السلاح إلا في ظروف معينه، والكل يعرف أن خروج طلقة واحدة من بندقيته في أمر خارج عن القانون سيعرضه للمساءلة والغرامة التي تقدر (ببقرتين).. نعم.. إذا أطلقت رصاصة واحدة في مناسبة إجتماعية مثلاً تتعرض للغرامة المذكورة ولا وساطات ولا سبيل للنجاة من العقاب طالما أنك مخالف للقانون.
* الإستثناء الوحيد هو إستخدام بندقية الصيد المعروفة (الخرطوش) لأن معظم المواطنين يستخدمونها لحماية حيواناتهم من المفترسات الجبلية وفي صيد الأرانب البريه ودجاج الوادي والكيكو، وأصغر طفل هنا يستطيع أن يميز أصوات المدافع بأنواعها وبقية الأسلحة، ويصنفها حسب صوتها إذا كانت بندقية صيد أو غيره، لذلك كنت أقول أن الأيام دول بين الناس، وأن الظروف قد تبدلت ما بين الخرطوم وجبال النوبه، فعندما كانت الطائرات تقصف الأبرياء هنا ويلوذ الأطغال منها بكهوف الجبال كانت مساءات الخرطوم هادئة إلا من خشخشة أوراق البنكنوت التي يقوم بتعبئتها سدنة النظام البائد… وبعد أن اشتعلت الخرطوم بثورة ديسمبر المجيدة وتصاعدت الإشتباكات في بعض أطراف السودان وتلغمت أجواء العاصمة واختنقت برائحة البارود والغاز المسيل للدموع وسال الدم في شوارعها، هدأت الجبال وسكنت قليلاً لتضمد جراحاتها، فأصبح الناس يتجمعون حول الراديو لمتابعة أخبار الثورة السودانية وتطورات الأحداث والجميع يترقب بشريات السلام في الأفق البعيد..!!
* ولأن الحرب ليس شيئاً يستحق المدح والإطراء مهما كانت النتائج.. فإن آثارها واضحة على المجتمعات والإنسان والخدمات، وكلما تطرقت لمجال وأردت التحدث فيه كلما اكتشفت حقيقة أنهم لا يملكون حتى الحد الأدنى مما يستحقه الإنسان والبعض يعيش نمطاً يعود بتفاصيله إلى القرون الوسطى..
* الفئات الضعيفة هنا والمتمثلة في النساء والمسنين والأطفال والمرضى المعاقين هم الأكثر معاناة ولا تتوفر لهم أبسط حقوقهم في الحياة الكريمة.. فهم لا يتحدثون عن الكهرباء والمواصلات والخدمات الصحية بل تتقلص طموحاتهم في الحصول على مياه شرب نقية وإنتاج زراعي يكفي لقوته ومعاشه فقط..!!

نعود ونواصل..!!