X

محمد الفكي سليمان : بقاء رموز النظام السابق في السجون هو جزء من تمييع قضيتهم

* العضو السابق في مجلس السيادة، الرئيس المناوب للجنة إزالة التمكين (مجمدة) محمد الفكي سليمان:
ـ محاكمة المفسدين والمجرمين الذين أقروا بجرائم واضحة، مثل الانقلاب، لا تحتاج إلى شهود أو عشرات الجلسات الممتدة
ـ هؤلاء متورطون في قضايا فساد لكن يوجد تسويف لتبقى هذه القضايا.. جيوب النظام السابق في كل مؤسسات الدولة تتبع سيناريو محددا
ـ بقاؤهم لفترة طويلة من دون محاكمات ولا تحقيق ثم عشرات الجلسات الممتدة هو جزء من تمييع القضية تمهيدا لإطلاق سراحهم بعد 3 أو 4 سنوات
ـ كأعضاء بلجنة إزالة التمكين لم نأخذ من الحكومة فلسا واحدا واعتقالنا كان جزءا من تدابير سياسية.. وإلغاء قرارات اللجنة كان بحكم “الانقلاب” وليس القانون
ـ المعادلة الرئيسية في الشارع حاليا هي “إنهاء الوضع الانقلابي” بتفكيك المؤسسات التي بُنيت بعد “الانقلاب” وعودة الجيش إلى ثكناته

الخرطوم . حوار الاناضول _ ترياق نيوز

حذر العضو السابق في مجلس السيادة الانتقالي بالسودان، الرئيس المناوب للجنة إزالة التمكين (مجمدة) محمد الفكي سليمان، مما قال إنه سيناريو تنفذه “جيوب في مؤسسات الدولة” لإطلاق سراح رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير (1989 ـ 2019).

وقال سليمان، في مقابلة مع الأناضول، إن “بقاء رموز النظام السابق في السجون هو جزء من تمييع قضيتهم، هناك قضايا واضحة، منهم من شارك في الانقلاب (العسكري عام 1989) وآخرون لديهم جرائم دموية، ومنهم من شارك في قضايا فساد”.

وأضاف: “كنا نطالب بتقديمهم إلى محاكمات وكنا نعتقد أن بقاءهم لفترة طويلة من غير محاكمات وتحقيق وغيره جزء من تمييع القضية تمهيدا لإطلاق سراحهم بعد 3 أو 4 سنوات، وهو سيناريو واضح بالنسبة إلينا، وهو ما يجري حاليا”.

وفي 21 يوليو/ تموز 2020، بدأت أولى جلسات محاكمة البشير وآخرين باتهامات ينفونها بينها تدبير انقلاب 1989 وتقويض النظام الدستوري.

وعزلت قيادات الجيش البشير من الرئاسة في 11 أبريل/ نيسان 2019، تحت ضغط احتجاجات شعبية منددة بتدهور الوضع الاقتصادي.

وتابع سليمان: “هناك قضايا واضحة وأشخاص متورطون، وهناك اعترافات مسجلة لهم، خاصة وأن نظامهم حكم لمدة 30 عاما، وتحدثوا عن أنفسهم في المنابر واعترفوا بأنهم شاركوا في الانقلاب وأعدموا آخرين”.

وأردف أن “هذه هي اعترافاتهم بأنفسهم ولا تحتاج إلى أدلة، وهناك محاولة لتموت تلك القضايا بالتقادم، والآن ارتفعت أصوات بإطلاق بعض كبار السن وإرجاعهم إلى منازلهم قيد الإقامة الجبرية، وهذا يجعل الناس لا تثق بالعدالة بصورة كبيرة”.

وقال إن “تطبيق القانون ومحاكمة المفسدين والمجرمين الذين أقروا بأنفسهم بجرائم واضحة لا لبس فيها، مثل الانقلاب على النظام الديمقراطي، لا تحتاج إلى شهود أو عشرات الجلسات الممتدة، (إضافة إلى) أكثر من 63 قضية فساد كبرى موجودة في البلاد”.

وفي 7 أبريل الماضي، برأت محكمة رئيس حزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقا) إبراهيم غندور و12 آخرين من تهم تقويض النظام الدستوري وتمويل الإرهاب خلال رئاسة عبد الله حمدوك للحكومة الانتقالية بين 21 أغسطس/ آب 2019، و2 يناير/ كانون الثاني 2022.

** جيوب النظام السابق
وبخصوص قضايا الفساد، قال سليمان: “كنت على إطلاع مستمر على تقارير النائب العام، هذه القضايا موجودة قيد التحقيق لسنوات، وهي قضايا فساد واضحة وفيها قضية او اثنتان ذهبت إلى المحاكم مثل قضية النقل النهري”.

وفي أبريل 2020، أصدرت لجنة إزالة التمكين قرارا باستعادة هيئة النقل النهري، وهي مؤسسة حكومية تمتلك أصولا ضخمة في مدن عديدة وتخلص منها نظام البشير، إضافة إلى تقديم عدد من قادة النظام للمحاكمة بتهمة التلاعب في ممتلكات الدولة.

واستدرك سليمان: “لكن معظم هذه القضايا عندما تطلع على تقرير النائب العام تجد أنها قيد التحقيق، وهذا تسويف واضح لتبقى هذه القضايا وبعدها يرتفع الصوت بالمساءلة حول لماذا وضعوا هؤلاء في السجون مع عدم توفر أدلة في مواجهتهم؟ وفعلا هذا منطقي، أنت لا تضع الناس في السجون دون دليل ويجب أن تحقق معهم وتحاكمهم”.

وتابع: “لذلك إطالة أمد بقاء رموز النظام السابق في السجون هو جزء من سيناريو محدد تتبعه جيوب في الحكومة حاليا من النظام السابق وموجودة في كل مؤسسات الدولة ليظلوا عاما أو عامين، والناس تراها فترة طويلة”.

وأكد أنه “إذا تم عرضهم على محاكمة حقيقية فستكون محاكمات مزلزلة (…) وهذا اتجاه يقودونا إليه وأخشى ما أخشى في الأيام القادمة ارتفاع الأصوات التي تطالب بإطلاق سراح رموز النظام السابق”.

واستطرد: “بحكم وجودنا في لجنة إزالة التمكين، هؤلاء متورطون في قضايا واضحة لا تحتاج إلى هذا الزمن الطويل للمحاكمات”.

وأصدر قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2019، قرارا بتشكيل لجنة إزالة التمكين لـ”إنهاء سيطرة رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير على مفاصل الدولة، ومحاربة الفساد، واسترداد الأموال المنهوبة”.

** اعتقال سياسي
وفي أبريل الماضي، أطلقت السلطات السودانية سراح قياديي لجنة إزالة التمكين وأبرزهم سليمان ووجدي صالح وبابكر فيصل وطه عثمان وآخرون.

وعما إذا كان إطلاق سراحهم يمهد لتسوية سياسية، قال سليمان: “اعتقالنا كان جزءا من تدابير سياسية، وهذا الرأي واضح وصرَّح به كثير من الناس حتى على مستوى الحكومة الانقلابية”.

وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، فرض البرهان إجراءات استثنائية منها إعلان الطوارئ وحل مجلسي الوزراء والسيادة واعتقال مسؤولين وسياسيين وإعفاء ولاة، وهو ما اعتبره رافضون انقلابا عسكريا، مقابل نفي من الجيش.

وتابع سليمان: “ولعلك تابعت حديث رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس المتكرر في وسائل الإعلام المختلفة بأن الاعتقال سياسي، وكل السودانيين يعلمون أن الاعتقال سياسي”.

وأضاف: “هناك مجموعات محددة داخل السلطة أو تستعين بالسلطة ولديها مشكلة مع لجنة تفكيك النظام السابق، وهؤلاء بصورة واضحة أعضاء في النظام السابق”.

وأردف: “حتى عضو مجلس السيادة الرئيس السابق للجنة إزالة التمكين ياسر العطا جوبه بهجوم شديد جدا لمجرد أن الرجل شهد شهادة إيجابية في حق ناس عمل معهم، وهذا رأي معظم الموجودين في الحكومة حتى لو لم يستطيعوا قوله”.

واستطرد: “لكن رموز النظام السابق لديهم أجهزة إعلامية منظمة جدا، وشارك في هذه الحملة مجموعة من الناس لم يتحدثوا منذ بداية الثورة (ضد البشير في ديسمبر 2018)”.

وأضاف: “وكان هناك استنفار للهجوم على (كل) شخص قال إن الاعتقال خاطئ وهؤلاء الأشخاص نزيهون (…) ونتحدى أي شخص يقول إننا أخذنا من حكومة فلسا واحدا”.

وزاد: “لم نأخذ حتى حقوقنا المنصوص عليها في اللائحة، سواء المتعلقة بمعاشنا أو غيره، فضلا عن أخذ أشياء أخرى”.

وأكمل: “راقبنا أنفسنا خلال فترة تولي مناصبنا بصورة شديدة وحزم ولم نستخدم حتى الأشياء التي حددتها لنا اللائحة والامتيازات.. كنا نتحدث عن أن الدولة تمر بمرحلة دقيقة ولا يحق لعضو مجلس السيادة أن يستفيد من عدد من السيارات ولا يحق له أخذ حوافز”.

واستدرك: “لكن البعض يستخدم هذا الأمر سياسيا لتحقيق نقاط على حساب اللجنة وهزيمتها.. نقول لهم إنكم قدمتم لنا خدمة كبيرة جدا، والسودانيون كلهم يصطفون الآن خلف اللجنة وهي أحد أبرز ملامح الانتصار الكبيرة في ثورة ديسمبر المجيدة”.

** إلغاء قرارات اللجنة
وبعد أسبوعين من قرارات 25 أكتوبر 2021، قرر البرهان في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، تشكيل لجنة لمراجعة واستلام الأموال المستردة بواسطة لجنة إزالة التمكين، وتجميد عمل اللجنة الأخيرة لحين مراجعة قانون عملها واتخاذ موقف بشأنه.

وبخصوص إلغاء السلطات الراهنة لما اتخذته لجنة إزالة التمكين من قرارات، قال سليمان إن “الهدف منذ البداية (هو) عدم وجود لجنة استئنافات (على قرارات اللجنة) حتى تأتي لحظة محددة، وهي لحظة جاءت مع انقلاب 25 أكتوبر”.

وتابع: “ثم قام القاضي بإلغاء كل القرارات بعبارة واحدة تتكرر في كل قراراته، رغم أن القضاء قانونا لا يحق له النظر في قرارات لجنة التفكيك، بل يجب النظر في قرارات لجنة الاستئنافات لكن لجنة الاستئنافات لم تُكون”.

وأردف: “بصورة شخصية طلبت مرارا وتكرارا بضرورة تشكيل لجنة الاستئنافات، لأنها تعطي الناس حقوقها وتثبت العدالة وتجعل قرارات لجنة التفكيك قانونية”.

وأكد أن “القرارات يجب أن تذهب إلى القضاء حتى تكون نهائية لأنها قرارات قانونية أولية، لتثبيت هذه الأشياء (أصول وممتلكات) والحجز عليها واستردادها، لكن حتى يعاد تسجيلها وغيره يجب أن تأخذ حكما قضائيا”.

وتابع: “هذه قرارات ضعيفة والقانونيون كتبوا فيها كثيرا، وأعتقد حال تبدل هذا النظام سوف تكون قيد النظر”.

واستدرك: “لا نقول كل القرارات ستكون صحيحة، لأن هناك دائرة استئنافات ودائرة قضائية وغيرهما، لكن هذه القرارات لا يمكن أن تستمر وجميع السودانيين يعرفون ذلك، لأنه تم إمضاؤها بحكم الانقلاب وليس بحكم القانون”.

** عودة الجيش لثكناته
ولمعالجة الأزمة السياسية الراهنة في السودان، ترعى آلية أممية إفريقية حوارا بين الفرقاء في البلاد.

وبالنسبة للوضع المستمر منذ 25 أكتوبر 2021، قال سليمان: “لإنهاء الوضع الانقلابي في البلاد، لا بد من تفكيك كافة مؤسسات الدولة (التي قامت) عقب انقلاب 25 أكتوبر، وعودة الجيش إلى ثكناته وخروجه من العملية السياسية بصورة نهائية”.

وأردف: “ما عدا ذلك، هناك تفاصيل عديدة تتعلق بالعدالة وتفكيك النظام السابق، ومحاكمة المفسدين وغيرها، لكن أعتقد أن المعادلة الرئيسية التي يعتمد عليها الشارع حاليا هي إنهاء الوضع الانقلابي بتفكيك المؤسسات التي بنيت بعد الانقلاب، وعودة الجيش إلى الثكنات”.

ومنذ 25 أكتوبر 2021، تشهد العاصمة الخرطوم ومدن أخرى احتجاجات شبه يومية تطالب بعودة الحكم المدني الديمقراطي وترفض إجراءات البرهان الاستثنائية، وقُتل خلالها 96 محتجا، وفق لجنة أطباء السودان (غير حكومية).

ونفى البرهان قيامه بانقلاب عسكري، وقال إن إجراءاته تستهدف “تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، متعهدا بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.

وقبل تلك الإجراءات كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس 2019 مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا وتنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024.

وكان من المفترض أن يتولى السلطة في تلك المرحلة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقّعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.