X

تقرير ” الجريدة ” .. الإنتخابات المبكرة. تكتيك تفاوضي ام محاولة التفاف.. ؟؟!

تقرير : عيسي جديد

من جديد عاد التلويح بإقامة الانتخابات المبكرة. من قبل سلطة الأمر الواقع العسكرية التي انقلبت على الحكومة الانتقالية في الخامس والعشرين من اكتوبر الماضى وجاء ذلك مؤخرا على لسان المستشار الاعلامي للقائد العام للقوات المسلحة العميد الطاهر ابوهاجة حيث قال بأنهم ماضون للانتخابات المبكرة وأنهم لن ينتظروا المعارضة فهل تكون هذه الخطوة هي نهاية المطاف للأزمة السياسية الراهنة الان ام هي بداية المتاهة والفوضي السودان….!!!

إجراءات ضرورية

ثمة إجراءات ضرورية ينبغي أن تتم حتى تتاهب البلاد للانتخابات فالواقع يقول ان “سلطة الأمر الواقع” هي سلطة استثنائية يجب ان تتراجع تدريجيا بأعجل ما تيسر لصالح الوصول الى سلطة دستورية منتخبة لجميع المستويات ابتداءً من الحكم الولائي و السلطة التشريعية ورئاسة الجمهورية يسبق كل ذلك اجراءات وترتيبات سياسية وتنفيذية هي جوهر التفويض الذي تكلف به الحكومات الانتقالية بغرض تهيئة الأجواء بعيدا عن الطوارئ والتضييق على الحريات العامة والتقليل من كل ما من شأنه التاثير والتحكم في نتائج الانتخابات ،لذلك يظل السؤالز فلماذا الاستعجال لانتخابات مبكرة ؟ دون الاتفاق علي اجراءات عامة لكل المستويات التشريعية والتنفيذية وبقوانين انتخابات معلنة ومتوافق عليها ؟؟

الانتخابات فزاعة العسكر

من ناحيته سخر القيادي بحزب الأمة القومي عروة الصادق من حديث السكرتير الاعلامي ابوهاجة وقال إن التلويح المتكرر بالانتخابات المبكرة ظل “فزاعة” يلوح بها العسكر كلما ضاقت بهم السبل، يأتي ذلك دون اتفاق على كيفيتها أو ماهيتها، فعند مجزرة (٨) رمضان لوحوا بها لتأتي من بعدها محاولة إنقلابية فاشلة، وعند فض الاعتصام في يونيو ٢٠١٩م أيضا لوحوا بل قرروا قيامها بعد تسعة أشهر وكانت محاولة أخرى، وقبيل انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م بأيام لوح بها رئيس الإنقلاب ونائبه أمام حشودهم المصنوعة وهرعوا فورا لتنفيذ الإنقلاب، الآن بعد أن أعاد الإنقلاب تنصيب الفلول، وتمكينهم من المؤسسات والوزارات والبنوك وجميع مفاصل الدولة من جديد ومنحوهم إدارات الحكومة ومرافقها الاستراتيجية، وكذلك التسهيلات المالية، وصحب ذلك عملية مفاجئة وغير مدروسة بطباعة فئة جديدة من العملة ستوضع تحت تصرف الرشاوي الانتخابية، فأي حديث عن انتخابات في ظل وضع اللا دولة واللا دستور واللا قانون هو تمهيد الطريق لانقلاب (قادم) إنطلاقا من أرضية الإنقلاب (القائم)،ويقول عروة للجريدة ان يقيني الراسخ أنه لا يوجد حزب أو مؤسسة أو كيان ينشد التحول المدني الديمقراطي والانتقال السلمي للسلطة يرفض الإنتخابات، ولكن الانتخابات لها استحقاقات دستورية بتكيفها دستورياً وذلك بإبطال الوضع الانقلابي وإلغاء قراراته وإجراءاته، وتأسيس مؤسساته ومن ثم دسترة الانتخابات بتكوين مفوضيتها على أسس دستورية سليمة ترعاها مؤسسة قضائية نزيهة وتحميها شرطة مهنية مدربة وتشرف عليها سلطة سياسية من كفاءات متفق عليهم، وهناك مطلوبات قانونية للانتخابات بتحديد النظام الإنتخابي وصياغة قانون الانتخابات ولوائح العملية الانتخابية، وكذلك الضرورات الفنية لترسيم الدوائر وإحصاء السكان وتنقية السجل المدني من آلاف المجنسين من دول أخرى ( سوريا، ميانمار، تشاد، ارتريا، النيجر، نجيريا … الخ) وتوفيق أوضاع الجاليات (مغتربين، وفارين، ومهجريين بدون وثائق) وتنظيم العمليات السابقة للاقتراع والمزامنة له واللاحقة،ويضيف كما أن العملية الإنتخابية التي لا يسبقها استقرار سياسي، وأمني، واقتصادي، واجتماعي في البلاد، سيجعل منها محض عملية ابتزاز سياسي، ومدخل للتوتر الأمني ولاصطراع القبلي، والعزل الاجتماعي لقطاعات كبيرة من النازحين واللاجئين، وربما يعقبها حق تقرير مصير ومن ثم إنفصال الأقاليم المتحفزة، ومعلوم أن شركاء العملية الانتخابية كثر داخليا وخارجيا من ضمنهم المحيط الإقليمي والدولي، الذي سيشارك بالبعثات الفنية والرقابة الدولية والإقليمية، وهؤلاء لن يشتركوا في عملية تم تجهيزها لاستعادة تنصيب الجماعات التي أدخلت السودان في قوائم الحظر الدولية والدول الراعية للإرهاب، ويختم الصادق حديثه بأن موقف حزب الأمة القومي الراجح هو مناهضة أي انتخابات (مطبوخة) حتى استيفاء شروطها، ومقاطعتها في حال أصر الانقلابين على إقامتها.!!!

تكتيك وضغط

اما رئيس تحالف قوي الإعلان الوطني ورئيس حزب بناة السودان فتح الرحمن فضيل فهو يرى ان تصريحات الحكومة العسكرية بالانتخابات المبكرة هي أقرب للتكتيك وضغط الاطراف وحملها لقبول التفاوض والحوار
شروط قيام الانتخابات، موضحا بان ذلك التصريح هو لإعداد البلاد سياسيا ودستوريا للانتخابات سياسيا والاتفاق على محددات الانتقال الديمقراطي وملامح المشروع الوطني او المباديء فوق الدستورية ودستوريا بالاتفاق علي قانون الانتخابات والمفوضيات
الاحزاب التي ترفض الانتخابات لأنها حازت تأييد او مكاسب اكبر من حجمها الانتخابي ..!!

نقراءة قانونية
من جانبه قال رئيس القطاع القانوني لحزب المؤتمر السوداني كمال الأمين “للجريدة” بأن الانتخابات حق دستوري نظمته المادة ٥٩ من الوثيقة الدستورية، وأن القانون الذي ينظم الانتخابات هو قانون الانتخابات الذي لم يجاز بعد في الوقت الذي ضمنت فيه الحقوق بموجب وثيقة الحقوق الني تكفل وتضمت الحقوق والحريات العامة في المادة ٤٢ أما المادة ٣٩ /٣ فقد تناولت تكوين مفوضية الانتخابات، وتم النص صراحة علي في المادة ( ٥٨) علي حق التجمع والتنظيم وبينت المادة (٦٨) حق النازحين واللاجئين في المشاركة في الانتخابات العامة والمؤتمر الدستوري، ولما صارت إتفاقية جوبا جزء لايتجزأ من الوثيقة الدستورية بموجب المادة ٧٩ من الوثيقة الدستورية بعد أن تم تضمينها وبالتالي أصبح نص المادة ( ١٣) من اتفاق القضايا القومية نصا دستوريا لا يجوز مخالفته وهذا النص حدد عدد من الشروط تسبق قيام أي انتخابات بنهاية الفترة الانتقالية،ويضيف الأمين قائلا : أي حديث عن إنتخابات مبكرة في ظل هذه المادة الدستورية يصبح زرا للرماد في العيون هنالك وهو مجرد حديث عاطفي لا أساس له ولا سند موضحا بان نص المادة (١٣) حدد حالات علي سبيل القطع والجزم لايجوز إجراء إي انتخابات قبل تحقق هذه الاسبقيات وهي إعداد خطة لإعادة وتوطين النازحين واللاجئين وهذا لم يحدث وهذا النص ورد في كل المسارات الأخري ، وكذلك لابد من أن يسبق ذلك عقد المؤتمر دستوري ثم إجراء التعداد السكاني علما بأن آخر تعداد سكاني كان في عام 2008، ثم اصدار قانون الانتخابات ثم اصدار قانون الأحزاب السياسية ثم تكوين مفوضية الانتخابات فهذا هو الدستور والاتفاق إذ تعتبر هذه الترتيبات ضرورية لأي لانتخابات، وأي حديث غير ذلك هو ضرب في الرمل…!!

تلويح للاستهلاك السياسي
المحلل السياسي عصام مرغني أوضح للجريدة بأنه من المعلوم ان الانتخابات سواء البرلمانية او الرئاسية هي الوسيلة الوحيدة المعترف بها دوليا للتعبير عن ارادة الشعوب لاختيار ممثليها وحكامها ومن ثم تداول السلطة بطريقة ديمقراطية سلسة .ولكنه استدرك قائلا بانه من اللافت للنظر ان في السودان وفي الآونة الاخيرة ان الانتخابات اضحى يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها من الديكتاتوريين والقافزين الي السلطة بقوة السلاح النارى وأنصار فرض الرأي الواحد علي ارادة الشعب ولو بتزوير الانتخابات بينما الذين يؤمنون بها حقا مشفقون منها موضحا بان الانتخابات -اي انتخابات- يجب ان تكون مقصودة لذاتها وليس للتكتيك التفاوضي ولا لمحاولات الالتفاف وفرض الارادة الفردية علي الغير .ضاربا المثل بأن اي اتحاد رياضي لا يستطيع اقامة مباراة رياضية لتحديد النادى الفائز بدون ان يكون هناك قانون يحكم المنافسة وبدون ان تكون هناك اندية رياضية معترف بها وملعب رياضي مؤهل وحكام محايدون لإدارة المباراة وجهة محايدة تراقب الاداء وجهة استئنافية يمكن اللجوء اليها في حالة وقوع خلافات ما .مشيرا بأن نفس الشئ ينطبق علي المنافسات السياسية اذ لن يكون من الممكن اقامة انتخابات برلمانية او رئاسية دون ان يكون هناك قانون معترف به يضع شروط وضوابط الانتخابات ودون ان تكون هناك احزاب مسجلة ومحكومة بقانون ودون ان يكون هناك سجل انتخابي حديث يحدد من يحق له الانتخاب والترشح ودون ان يكون هناك امان كاف في جميع مناطق البلاد يتيح لفرق الانتخابات الوصول الي المواطنين في كل مكان ودون ان تكون هناك حريات وحقوق قانونية كافية تسمح بقيام الندوات الجماهيرية و توزيع الكتب والمنشورات والتظاهر والاحتجاج .وقال مرغني ان كل هذه تعتبر من اساسيات اقامة الانتخابات فاذا كان الذين يدعون لاقامة انتخابات مبكرة هم فعلا يهدفون لاقامة تلك الانتخابات لتكون حرة شفافة تتمتع بمصداقية عليهم ان يجيبوا على السؤال المحورى ..الا وهو ماذا اعدوا من العدة لقيام الانتخابات التي يدعون الي قيامها ؟اين هو الإحصاء السكاني ؟اين هو السجل الانتخابي ؟اين هو القانون الذي يحكم تسجيل وأداء الاحزاب ؟اين هو القانون الذي ينظم الانتخابات ؟
ومالم تكن هناك اجابات واضحة محددة لهذه الاسئلة يصبح الحديث عن قيام انتخابات هو استهلاك سياسي يهدف الي تطويل أمد الفترة الانتقالية الي ما لا نهاية واستمرار حالة الفراغ الدستوري الحالية التي تتمثل في غياب المجلس التشريعي وغياب المحكمة الدستورية وغياب المرجعية التي تحكم وتضبط اداء مجلسي السيادة والوزراء يختم مرغني حديثه بالقول بأن علي الذين يدعون لقيام الانتخابات ان يتبعوا القول بالعمل بان بخطو خطوات جادة تثبت صدق دعواهم او علي الاقل تثبت حسن نيتهم ..فعلى سبيل المثال لا يمكن ان تدعو لقيام انتخابات بينما انت تغلق جسور اساسية في عاصمة البلاد وتشل حركة المواطنين جميعهم مؤيدين ومعارضين وأصحاب عمل ومرضى لمجرد تقديرات بان هناك احتمال ان يعبر تلك الجسور معارضون سلميون لنظام الحكم القائم !!

احراج الأحزاب

اما المحلل السياسي محمد عبدالسلام فلا يذهب بعيدا عن قراءة المشهد السياسي لسلطة الامو الواقع الانقلابية فهو يرى ان تلويح الحكومة بالانتخابات هو محاولة مضادة لإحراج الأحزاب حيث أن رفض الأحزاب للانتخابات أمر مربك لها مهما كانت الأسباب فالانتخابات هي اساس العملية الديمقراطية ورفض الأحزاب لها يمثل خطيئة كبرى . و في الجانب الاخر فانه من ناحية عملية وتنظيمية فالحكومة تعلم يقيناً أن الانتخابات تحتاج لفترة تتراوح بين التسعة أشهر و السنه و هي فترة كافية تمكنها من شراء الوقت وترتيب أوراقها و تنظيم حلفائها من أجل الفوز بالانتخابات مستخدمة سلاح القبلية و العصبية الدينية لإنتاج نظام جديد بعيد كل البعد عن النفس الثوري الذي يملأ الشارع و يهدد العسكر و حلفائهم و كوادر النظام القديم و يهدم مصالحهم .ويرى عبدالسلام ان
الأحزاب من جهة أخرى غير جاهزة للانتخابات حيث أنها أنهكت خلال عهد البشير و حوربت بشده فلذلك تحتاج الى وقت للتعافي و إعادة تنظيم قواعدها و طرح برامجها لاستقطاب أعضاء جدد . بالإضافة الى النظر في انتاج قانون جديد للانتخابات يركز على انتخاب الأحزاب و يعلي قيمة البرامج بدلا من فردية الانتخاب و يتضمن أيضاً تعداد سكاني جديد يعقبه اعادة تقسيم للدوائر الانتخابية نظراً للتغيرات الديمغرافية التي حدثت من أخر انتخابات ديمقراطية عام 1986م…!!