X

الجميل الفاضل .. يكتب .. ” ثم لا ” .. تفيل اللافقاريات !

ما لم يقله مالك “الإمام” في الخمر.. قال به مالك “المتأقلم” بسرعة في حق الثورة السودانية المباركة، نافيا عنها باديء ذي بدء صفة انها “ثورة” اصلا، بل معتبرا انها مجرد فوضى، يقودها على الارض “عيال” مكانهم الطبيعي ميادين اللعب، متهما في ذات الوقت اطفالا قصرا، تتراوح أعمارهم بين الثامنة والخامسة عشرة، بتهمة خطيرة لا تتسق مع ما افترض لهم من اعمار، هي تهمة ممارسة العنف، والإرهاب ضد الدولة.
المدهش ان هذا الذي قاله مالك عقار، لم يقل مثله حتى عتاة وغلاة اهل السلطة البائدة، الذين زلزلت الثورة اقدامهم، وبددت شملهم، وقضت مضاجعهم.
ما قاله مالك.. لم يقله كرتي عراب المرحلة، ولم يقله غندور رأس الحزب المحلول.
المهم فقد خرج عقار المخبوء من تحت لسانه، في صورة عدو سافر لذات الثورة التي عاد هو عزيزا مكرما، بفضل ما احدثته من تغيير.
لكن ها هي كليمات قالها مالك.. ربما لم يلق لأثرها بالا، قد هوت به سبعين خريفا في جهنم الثورة والثوار.
ومن الموافقات او المفارقات الغريبة لست ادري، اني كلما اعدت المشاهدة والاستماع لما قاله عقار لقناة “الشرق”، قفزت الي ذهني مباشرة صورة مجسمة نحتها د. منصور خالد لمثل هؤلاء الساسة المزهوين بغرور سلطاني زائف يقول المفكر الراحل: (تحول التفاخر بين السياسيين إلى تضخم للذات، تفيلت معه حتى القواقع اللافقارية.
اللافقاريات في علم الأحياء هي الكائنات التي تفتقد الفقار، أي السلسلة العظمية في ظهر الكائن، والتي تمتد من الرأس حتى العصعص، مما يمكن الكائن من الوقوف والحركة.
تَضاعُف تفيل اللافقاريات عندما أصبح الانتماء العقدي لحزب أو جماعة جواز مرور لكل موقع).
وعقار في ظني على الاقل من اوفي الأوفياء لمثل هذه المواقع.
وفي ظني أيضا، ان مالك يتمتع فضلا عن ذلك بقدرة مدهشة على التأقلم والتماهي والتموضع، حيثما رمت به رياح الاقدار، وبقابلية عالية جدا على التكيف مع كل واقع تفرضه ظروف تتصل بنوع وحجم الرغبة لديه.
فمالك رغم امتطائه في وقت مبكر لجواد الثورة الجامح، ولشكل الكفاح المسلح الاكثر جموحا واندفاعا، الا ان مالك في تقديري الخاص أقرب لكونه “شخص مستقر” لا يصلح بحكم تكوينه الشخصي للعيش تحت الرعود والعواصف والانواء، وفي مناطق الزلازل والبراكين والحمم المتفجرة.
ولعل حالة “الشخص المستقر” التي تتوافق مع حرفة احترفها عقار لبعض حين، من خلال عمله كامين مخازن سابق، قد مكنته من التعامل السلس والصبور في وكر مهم من الاوكار “الامنوقراطية” وزارة الاستثمار في حكومة ما بعد نيفاشا.
ومن وقائع ما جري من بعد.. اقول اني لم اتحسر على شيء اليوم بقدر حسرتي على طرد الحركة الإسلامية لمالك عقار من منصبه كوالي للنيل الازرق قبل سنوات.
المهم ليت عقارا ظل في مكانه الطبيعي الذي يناسبه من التاريخ، وليت على عثمان لم يغلق هاتفه بوجه الرجل الهائم في ذلك اليوم من العام (٢٠١١) على وجهه بالفلوات، يستجدي سانحة اتصال برجل الدولة القوى انذاك، عسى أن يظفر بوعد يعيده الي عرش ولايته المفقود.
بل ولم اندم كذلك على شيء بقدر ندمي على اتفاق “نافع عقار” الذي ذهب ادراج الريح.
لقد كاد ان يوافق “شن طبقه” لولا أن رجلا تحدث بلسان الجيش في مسجد النور رافضا ذلك الاتفاق قبل أن يجف مداده.
فكل تاريخ الرجل يقول: لو انه جلس، وطاب له المقام، فإنه لا يقوي ولا يطيق القيام.
كما اني لأول مرة اعرف لماذا بالضبط انقسم قطاع الشمال في الحركة الشعبية، الي نصفين او جناحين، قسم يقوده مالك، واخر يتزعمه الحلو؟.
رجلين لا يعرف أيهما نال من ميراث ابيه الروحي الذي رحل “قرنق”، ما ينبغي أن ينال.. شيئا من عقل، أو بسطة في جسم، أو بقية من مجد لا يزال.

لام.. الف
اكبر تنازل تقدمه في حياتك، هو ان تتأقلم.
محمود درويش

حالتي
اشهد الا انتماء الان
الا انني في الآن لا