X

الجميل الفاضل .. يكتب .. ” ثم لا ” .. شبح العزلة

 

اثنتان وسبعون ساعة فقط، ربما هي المسافة التي تفصل بلادنا، عن احتمال عودتها للعزلة من جديد.. هي عزلة لو انها وقعت، ستعيدنا كرة اخري الي نمط التحوصل على الذات، والانكماش الي الداخل، والتمحور حول اوهام ما انزل الله بها من سلطان، اوهام عشنا مثلها لنحو ثلاثة عقود عجاف.
لغير سبب سوي ان أناسا من هنا استبدوا بنا، فاستبدت بهم شهوة عدوانية للعالم.. ظنوا بوحي من شياطينهم الماكرة.. ان عليهم أن يضاربوا بنا على رقة حالنا، أمريكا وروسيا معا، وأن عذابهما على ايدينا قد دنا.. هكذا جملة واحدة، سولت لهم انفسهم، فاوردونا موارد هذا الهلاك المقيم والمتفاقم، يوما بعد يوم، بل والمستمر الي يومنا هذا.
وللحقيقة فإن شهوة تغيير العالم، هي شهوة غريبة، اوحي بزخرف قولها الي ادمغة جوفاء فارغة شيطان مريد، مس هذه النواصي “البور”، التي وجد ضالته فيها، بمس من عنده.
إذ أن فئة رعناء، وقعت تحت تأثير فكر منحرف يقول أمامه حسن البنا: (في الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الاخوان المسلمين، ثلاثمائة كتيبة قد جهزت، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحار، واقتحم بكم عنان السماء، واغزوا بكم كل عنيد جبار).
ان فكرا يتربص معتنقوه الدوائر والفرص، لغزو العالم.. هو فكر اختار اتباعه ان يكونوا في حالة عداء دائم مع العالم.
من واقع ان هذه الفئة ترى أن دولة لا تقوم على الدين، كدولة السودان الماثلة الان، رجس من عمل الشيطان.
وبالتالي فإن تناقضا عميقا نشأ بين هذه الفئة الصغيرة التي تمددت في شعاب دولة تقوم علي المواطنة بلا زيادة ودون نقصان، دولة لا تميز بين مواطنيها نظريا على الأقل، بسبب الدين، أو المعتقد، أو اللون، أو النوع، أو العرق والقبيلة.
هي دولة رغم سيطرتهم التامة علي مراكز القرار فيها، وعلي مفاصلها التنفيذية.. الا انها تظل دولة نقيضا لدولتهم التي يؤمنون بها، “دولة الحركة الإسلامية” كما وصفها البشير في وثائقيات بثتها “قناة العربية”.
“دولة الكل المركب” و”الحاءات الثلاث” كما كانوا يتباهون بها.
وبالطبع فإن نمط الدولة التي يحلم بها الاخوان في السودان.. هي الدولة التي تقوم وفق تعريف حسن البنا للاسلام بانه: (عقيدة وعبادة، وطن وجنسية).
وان شكل الحكم في هذه الدولة، يعرفه البنا بقوله: (هذا الإسلام الذي يؤمن به الاخوان المسلمون، يجعل الحكومة ركن من أركانه).
اذن ليس من قبيل الصدفة، أن انقلابا ناجحا مائة بالمائة، اكتملت كافة خطواته التنفيذية على الارض في ٢١ سبتمبر الماضي، تراجع دون قيد او شرط، لكي يفسح الطريق لانقلاب اخر من داخل القصر في ٢٥ أكتوبر الماضي.
هذا الانقلاب كان معلوما بالضرورة لمن دبره، انه حال وقوعه سيعيد السودان لواقع العزلة الدولية، الذي كاد ان يغادره بغير رجعة.
بل أتصور ان إعادة السودان للعزلة، بغية إخراجه من السياق الطبيعي للعلاقات بين الدول والحكومات في عالم اليوم، وما تمليه مثل هذه العلاقات الطبيعية، من التزامات على الدولة يصادم لا محالة مصالح وتصورات مثل هذه الجماعة.
ولذا يمكن أن تصبح مهمة عرقلة اندماج السودان في المجتمع الدولي، أو قطع الطريق أمامها، وأعادته من ثم لوضع المواجهة مع العالم، أهدافا اصيلة لهذا الانقلاب.
وان بدأ الان وكأنه يتراجع عنها تكتيكيا تحت وطأة الضغط.
فكما انه يصعب استئناس الوحوش، فإنه يصعب أيضا على امثال هؤلاء الذين تتملكهم شهوة تغيير العالم، بغزو كل جبار عنيد فيه.. العيش في دولة تقوم على صيغة التعايش السلمي مع كافة الدول مؤمنها وكافرها، في إطار تبادل المنافع المشتركة، وكف الاذى المتبادل، واحترام حقوق الإنسان.

لام..ألف
إنهم أحفاد الشياطين، المساكين، المجانين، الذين اذا رأوا حلماً جميلاً لقنوا الببغاء شعر الحرب.

حالتي
أشهد ألا إنتماء الآن
إلا أنني في الآن لا