X

رسالة في بريد مناوي وجبريل وحجر نعم للزغاوة.. ولا للزغونة.. ولا للتمكين القبلي !

الخرطوم – عبدالرحمن العاجب

 

 

 

 

 

أزمة السودان في دارفور، تندرج تحت الأزمة الوطنية الشاملة التي شهدتها البلاد منذ الإستقلال، وهي نتاج لادمان الفشل الذي ظل ملازم للنخب السياسية والحكومات المركزية التي تعاقبت على حكم السودان سوى كانت عسكرية أو ديمقراطية، وبسبب الخلل الهيكلي في بنية الدولة السودانية بجانب ضعف التنمية والخدمات والتهميش التنموي الذي ظل يعاني منه إقليم دارفور انطلق التمرد في دارفور مطالباً بإنهاء التهميش وتحقيق التنمية المتوازنة وتوفير الخدمات الأساسية لشعب الاقليم.

 

 

 

 

 

 

 

 

وما بين قرية (فوراوية) الوادعة التي تتوسط صحارى وتلال شمال دارفور ومدينة (زالنجي) الوريفة التي ترقد على ضفاف أعرق وديان دارفور قام (عبدالواحد محمد نور) مع رفيقه (مني أركو مناوي) وآخرون بتأسيس حركة تحرير دارفور والتي تم تغيير اسمها بعد فترة قصيرة إلى حركة تحرير السودان.. وبعد إعلان مولد الحركة رسميا تقلد عبدالواحد منصب رئيس الحركة، بينما تقلد مناوي منصب الأمين العام للحركة.

 

 

 

 

 

 

وبسرعة فائقة ووتيرة متسارعة لمع نجم قادتها إثر اعتداء الحركة على مطار مدينة (الفاشر) حاضرة ولاية شمال دارفور.. الاعتداء عده البعض أول عملية نوعية تنفذها الحركة بعد تأسيسها، وظهر وقتها الرجلان في القنوات الفضائية والإذاعات في 2003 ولكن قبل أن تمضي ثلاث سنوات على تأسيس الحركة الوليدة ضربتها صراعات عنيفة أدت الى انشقاقها في مؤتمر (حسكنيتة) الشهير الذي عقد عام 2005 والذي بموجبه انقسمت الحركة إلى جناحين الأول يقوده عبدالواحد والثاني يقوده مناوي.

وفيما يبدو أن التأثير الاجتماعي كان واضحاً في انشقاق الحركة التي تتكون بشكل أساسي من ثلاثة مجموعات إجتماعية هي ( الزغاوة والفور والمساليت) بجانب بعض المجموعات الإجتماعية الأخرى، ومؤتمر حسكنيتة أظهر الصراع داخل الحركة بشكله الاثني القبيح وكأنما مناوي يمثل الزغاوة وعبدالواحد يمثل الفور داخل الحركة.

وتجاوزت الحركة محطة (حسكنيتة) وأصبحت في واقع الأمر حركتين كل منهما تحمل اسم تحرير السودان، واختارت مجموعة مناوي الاتجاه غربا صوب العاصمة النيجيرية (أبوجا). وبعد مفاوضات عسيرة توصلت هناك لاتفاق مع الحكومة السودانية في العام 2006 وبعد توقيع اتفاقية (أبوجا) التحقت فصائل مسلحة عديدة بالعملية السلمية، ورغم ذلك لم تكتمل العملية.

وفي الوقت الذي ضربت فيه الصراعات حركة تحرير السودان وانقسامها إلى حركتين، برزت حركة العدل والمساواة إلى السطح وهي أكثر ترتيبا من الناحية العسكرية والسياسية.. وكان طرح حركة العدل والمساواة قومي، ولكن رغم ذلك ظلت هيمنة الزغاوة على مفاصل الحركة هي العنوان الأبرز.

 

 

 

 

 

 

 

وفي عهد النظام المدحور أصبحت القبيلة مؤثرة وبقوة في المشهد السياسي والاجتماعي في بلادنا، وذلك بسبب السياسات والممارسات الكارثية لنظام الإنقاذ البائد الذي ظل ممسك بتلابيب البلاد لثلاثة عقود متتالية صار الأمر فيها أكثر حدة وخطورة في ظل ما أفرزته هذه السياسات والممارسات من تصعيد لنزعة العصبية القبلية وهذا بسبب انهاك مؤسسات المجتمع المدني بما في ذلك الأحزاب حتى فقد المواطن الثقة في هذه المؤسسات فتراحع إلى رحاب القبيلة والعشيرة بحثاً عن الحماية والأمن والأمان.

وهناك ضرورة للتعامل الواقعي مع المعطى القبلي في السودان، وبالتأكيد فإن هذه الإشارة لا علاقة لها بأي فهم ساذج يرى فيها دعوة لاعلاء شأن النعرة القبلية، فقطعا نحن لانريد التأطير للقبيلة وإعطائها مشروعية القبول والسيطرة، ونحن ندرك تماماً أن مفهوم القبيلة بالضرورة يتناقض مع مشروع بناء الدولة الحديثة التي تقوم على رفض الإنتماء والانحياز إلا لما هو إنساني، وهذا ما يجب أن يفهمه قادة حركات الكفاح المسلح بدارفور وتحديداً مناوي وجبريل وحجر، وعليهم ان يفهموا جيداً إن إعادة بناء الدولة السودانية يتم بمشاركة كافة مكوناتها السياسية والاجتماعية والثقافية والاثنية، وليس بحركات تتبنى شعارات وقيم سامية مثل السودان الجديد والعدالة الاجتماعية والمساواة وهي في غالبيتها من مكون اثني واحد.

وعندما اندلعت الثورة في دارفور، استبشر بها بعض المثقفين والمتعلمين من أبناء الإقليم خيراً، وانخرط الشباب في صفوف حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة، ظنا منهم أن تلك الحركات ستحقق أهدافها وشعاراتها المنشودة، وستكون مخلصاً لهم من ظلم الإنقاذ الذي لحق بهم.

 

 

 

 

 

 

 

ولكن كل الشعارات والقيم السامية التي رفعتها حركات الكفاح المسلح الدارفورية، تحولت إلى مكاسب ومغانم شخصية وأسرية، وفي إتفاقية أبوجا التي تم توقيعها في عام 200‪6 م بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان بقيادة مناوي، استولى مناوي وأسرته وأبناء قبيلته (الزغاوة) على معظم الوظائف في السلطة الانتقالية لدارفور وعلى الوظائف على المستوى القومي والولائي وقدم أسوأ نموذج للهيمنة والإقصاء وقام بتعيين طلاب لم يكملوا دراستهم الجامعية في وظائف قيادية في الوقت الذي كان فيه مئات الخريجين من أبناء إقليم دارفور يحملون أرفع الشهادات، ولكن لم يتم تعيينهم لأنهم لاينتمون إلى قبيلة الزغاوة، وانتهت تجربة أبوجا بمكاسب شخصية للأفراد، ولم تحقق أي نجاح يذكر للإقليم وشعبه المكلوم.

وتم تكرار نفس السيناريو في إتفاقية الدوحة التي تم توقيعها في عام 201‪1م بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة، ولكن الحال يختلف قليلا في اتفاقية الدوحة التي حققت بعض المكاسب والمشروعات التنموية في مجال الخدمات الأساسية ( التعليم والصحة والمياه) بجانب تشييد عدد من القرى النموذجية وعدد من المشروعات بولايات دارفور، ورغم ذلك ظلت مكاسب إتفاقية الدوحة وملف التوظيف تحديداً حكراً على رئيس الحركة الدكتور التجاني سيسي والأمين العام للحركة بحر إدريس أبو قردة بحيث ظل كل من الرجلين يقوم بتعيين أبناء قبيلته، وهو الأمر الذي قاد في نهاية المطاف إلى انشقاق الحركة.

غير أن إتفاقية جوبا للسلام جاءت في واقع مختلف تماماً وهو واقع ثورة ديسمبر المجيدة التي رفعت شعارات الحرية والسلام والعدالة، وتحققت الحرية والسلام بشكل جزئي ولكن العدالة لم تتحق حتى الآن، وتحولت مكاسب إتفاقية جوبا للسلام مسار دارفور إلى مكاسب شخصية وقبلية.

وفي عملية وصفها البعض بأنها (تمكين قبلي) أسوأ من تمكين الإنقاذ و( الجلابة) قام مناوي بتعيين نفسه حاكماً لإقليم دارفور وتعيين إبن عمه محمد بشير عبدالله وزيراً للمعادن وإبن عمه عبدالعزيز مرسال وزيراً للمالية في حكومة إقليم دارفور، بجانب تعيين عدد منسوبي قبيلته من الفاقد التربوي في وظائف قيادية في حكومة الإقليم وقطاع المعادن في رئاسة الوزارة وشركات الوزارة مثل الشركة السودانية للموارد المعدنية وشركة سودامين وشركة ارياب، وفي إحدى الشركات قام بتعيين أحد أقربائه في الدرجة الخامسة وهو لايحمل الشهادة السودانية وسنتناول هذا بالتفصيل في مقالات مخصصة لفساد قطاع المعادن.

وبالنسبة لحركة العدل والمساواة التي تنادي بالعدالة الاجتماعية ويطلق على زعيمها الراحل خليل إبراهيم لقب ( زعيم المهمشين) فإنها هي الأخرى لم تخلو من سيطرة الزغاوة، وقام رئيسها الدكتور جبريل إبراهيم بتعيين نفسه وزيرا للمالية والتخطيط الاقتصادي، بجانب محاولاته الجادة والمستميته لتعيين أبناء عمومته أحمد تقد لسان رئيساً لمفوضية السلام وسليمان صندل حقار نائباً لرئيس هيئة الأركان في الجيش السوداني وعبدالعزيز نور عشر نائباً لمدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بجانب تعيين عدد من أقربائه في وظائف قيادية بالدولة وتحديداً في المؤسسات التي تتبع لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، ووزارة التنمية الاجتماعية، وديوان الضرائب، ومفوضية العون الإنساني والشركات التي تتبع لوزارة المالية، بجانب سيطرة أبناء الزغاوة على مفاصل الحركة وسنتناول هذا بالتفصيل في مقالات مخصصة لذلك الامر.

أما بالنسبة لتجمع قوى التحرير بقيادة الطاهر حجر فنجد ان رئيس الحركة احتفظ لنفسه بمنصب عضو مجلس السيادة، ومنح منصب وزير التنمية العمرانية والطرق الجسور للسيد عبدالله يحي إبن قبيلته، ونجح حجر هو الاخر في تعيين عدد من أقربائه في مناصب قيادية في الدولة وفي القصر الجمهوري ووزارة التنمية العمرانية والطرق والجسور والمؤسسات التي تتبع للوزارة.

ويؤكد الواقع أن سكان إقليم دارفور يبلغ عددهم بحسب اخر إحصاء سكاني أجري في عام 200‪8م ( 7.5) مليون نسمة، فيما قدرت إحصائيات حديثة وغير رسمية عدد سكان الإقليم بأكثر من (10) مليون نسمة وهو ما يعادل 20% من سكان السودان، كما ان مجتمع دارفور به اكثر من (100) قبيلة يتحدثون أكثر من (14) لغة يتوزعون علي خمسة ولايات و (65) محلية

 

 

 

 

 

 

.

لا يعقل أن تتحكم مجموعة اجتماعية صغيرة لايتجاوز حيزها الجغرافي والسكاني ثلاثة محليات هي ( كرنوي وأمبرو والطينة) على مصير الكتلة البشرية الكبيرة لمجتمع دارفور، وتسيطر هذه المجموعة الصغيرة على مكاسب إقليم دارفور التي تم إقرارها في إتفاقية جوبا للسلام.. يؤكد الواقع الراهن أن هذا الوضع المائل والمختل لايمكن ان يستمر ويحتاج إلى تصحيح عبر ثورة وعي حقيقية حتى لو أدى الأمر إلى إلغاء إتفاقية جوبا للسلام مسار دارفور.