X

طارق أبو زينب .. يكتب .. تلوث فكري وأخلاقي يجتاح التلفزيونات اللبنانية.. برامج تصيبنا بالغثيان!

 

تقرير نقلا عن صحيفة جسور الالكترونية

 

ربما لا يدرك بعض اصحاب المحطات الفضائية اللبنانية ان دول العالم هبت لدعم ضحايا الزلزال لمواجهة الكارثة الإنسانية الأليمة، وربما تناسوا الأزمات اللبنانية المتراكمة التي قلبت الحياة رأسا على عقب، وربما لم يدرك هؤلاء واقع اللبنانيين والخوف الذي هم فيه ويعانون من اضطراب وقلق وعدم الشعور بالأمان، مما دفعهم الى الإستسلام وأدى الى تضاؤل الأمل لديهم بالمستقبل وجعهلم عرضة لأزمات صحية نفسية شتى ،وقد تدفع العائلات إلى حافة الهاوية.

هناك ظلم كبير واقع على المشاهد اللبناني والعربي بسبب الدور السلبي لبعض البرامج التلفزيونية على الشاشة الصغيرة والتي باتت تمزج بين مواصفات تجارية و مضمون لا يراعي الأزمات الإنسانية والاجتماعية ، ومذيع لا يمتلك المؤهلات الثقافية والقدرات الشخصية التي تجعله جديراً بتقديم برامج تلفزيونية هادفة مما يدفع إلى الاستعاضة بأفكار ومصطلحات وعبارات غير مقبول بها أخلاقياً وإنسانياً وذلك من أجل استمالة المشاهد اللبناني والعربي .
برامج إعلامية من دون محتوى
وإذا أردنا أن نذكر جميع المشاكل التي يمر بها الاعلام اللبناني فسندرك تماماً أنه في وضعٍ خطير، لكن من أبرز المشاكل التي أصبحت تؤثر سلباً على الأجيال القادمة هي البرامج التلفزيونية التي تقودنا نحو المجهول والتلوث الفكري، ومنها عدد من البرامج يتم عرضه على بعض الشاشات اللبنانية من دون محتوى ولا قيم ولا تقدم حلولا للنهوض بالمجتمعات.
الواقع المرير والاليم
ثمة من يصف الواقع بالمرير ذاك الذي نعيشه عندما يدخل ضيف ثقيل بإطلالة أسبوعية عبر الشاشة الصغيرة الى منازل آلاف الأسر التي تضم أفراداً ينتمون لشرائح عمرية مختلفة وهنا لا يمكن السكوت عن الأدوات والمحتوى الهابط للمقدم والمعد والمخرج، وانعدام الثقافة المتنوعة والحضور واللباقة وسرعة البديهة وحسن التصرف، والمقدرة على التجديد بعيدا من الاستعانة بالعبارات الأخلاقية والإيحاءات الجنسية واستغلال المرأة وجسدها في الاعلان والاعلام. وفي ظل الأوضاع الاجتماعية والإنسانية السيئة التي يعيشها المواطن اللبناني اليوم والتي يجب على الاعلام المساهمة بحلها فلا يمكننا القول سِوى أن مشاعر وهموم المشاهد أصبحت من أرخص ما يكون .
المراهنة على Rating
وثمة من يقول: في الوقت الذي يجب أن تسعى هذه البرامج للتخلص من كل الأمور التي تنعكس سلباً على مجتمعنا وتساهم بإيجاد حلول بناءة للمشاكل الإجتماعية والإنسانية، نجد أنفسنا في مكانٍ آخر والجدير ذكره أن فكرة هكذا برامج لا تليق بمجتمعنا وعادتنا و تقاليدنا وتراثنا ولا تتناسب مع الوضع الحالي الذي يعيشه اللبناني من أزمات متراكمة، وأصبحت المنافسة محصورة بالمراهنة على Rating عبر إستخدم ألفاظ وكلمات غير لائقة بدلاً من تزويد عقل المواطن بالمعلومات المفيدة . إذا كنا نسعى في لبنان لمواكبة التطوير وتغيير جزء من مجتمعنا نحو الأفضل فعلى إدارة بعض المحطات التلفزيونية أن تختار الطريق الأصح لتحقيق هذا الهدف وليس اعتبار المشاهد رقماً ولا يقاس نجاح البرنامج بعقدة عدد المشاهدة.

انتهاك خصوصية النساء

الاعلامية اللبنانية والناشطة الحقوقية ميرنا قرعوني وفي حديث لـ “جسور” تأسف للجوءالعديد من المحطات التلفزيونية إلى اثارة قضايا المرأة بطريقة تسيء للنساء وتساهم في انتهاك خصوصيتهن وتسليعهن وذلك من خلال استغلال معاناة بعض السيدات واستدراجهن للظهور في برامج “التوك شو” وتصويرهن كأداة جنسية بهدف الحصول على نسبة اعلى من المشاهدات في تجاهل تام لخطورة هذه البرامج على المجتمع لاسيما الفئات الشابة وتشويه نظرتها للطرف الآخر”. يمكن القول إن المسؤولية تقع أولاًعلى القوانين البالية والمواد الدستورية اللبنانية التي تكفل للمحطات التلفزيونية حرية اختيار المواد والبرامج التي تريد بثها، حيث تستغل هذه المحطات الحرية الممنوحة لها تحت سقف القانون وتبدع في انتهاك وتشويه صورة المرأة بهدف جذب المعلنين و تحقيق المزيد من الارباح ، مما يترك الساحة مفتوحة امام بعض المحطات اللبنانية للمنافسة “غيرالاخلاقية ” فيما بينها فتتجه الى عرض المزيد من البرامج المبنية على الايحاءات الجنسية والتسليع، فمن منا لم يسمع ببرنامج “أحمر بالخط العريض”ومضمونه وبرنامج “نقشت ” على شاشة قناة”LBCI” والذي تقوم فكرته على المنافسة بين مجموعة من السيدات للفوز برجل. وأضافت قرعوني لـ “جسور”: للاسف يمكن القول إن قضايا المرأة الجوهرية كالعنف الاسري والتحرش وغيرها تكاد تكون مغيبة عن الشاشة اللبنانية الصغيرة وعن صفحات التواصل الاجتماعي للمحطات التلفزيونية .
رفض استغلال المرأة في الاعلام
وطالبت الاعلامية قرعوني عبر “جسور” بمحاربة هذه الظاهرة التي تسيء إلى صورة المرأة اللبنانية وتنتقص من حقوقها نحن بحاجة الى مجهود حقيقي و”التحرك فورا” من قبل وزارة الدولة لشؤون المرأة ووزارة الاعلام اللبنانية والمجلس الوطني للاعلام لمراقبة البرامج الاجتماعية والضغط على مسؤولي هذه المحطات لتعديل مضمون البرامج بما يخدم قضايا المرأة الجوهرية بالإضافة إلى المزيد من التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني للإضاءة على خطورة هذه البرامج التي تترك اثرها السلبي على المجتمع بأكمله وتساهم في المزيد من الانحلال الاخلاقي والانفلات الاجتماعي .
وسائل التواصل الإجتماعي
أما الاعلامية اللبنانية الدكتورة إيمان شويخ فقالت لـ “جسور”: برأيي لم تعد البرامج التي تستعمل هكذا نوع من المحتوى تؤثر في المشاهد بشكل سلبي كليًا والسبب أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تنشر محتوى هابط جدًا لا يراعي أدنى المعايير الأخلاقية وبالتالي فإن من يتصفح تلك الوسائل وهم ربما الغالبية من السكان لم يعد يشعر بالاستغراب أو الدهشة حين يتابع برنامجا تلفزيونيا يتضمن ايحاءات جنسية وتعابير غير أخلاقية، إذًا فإن المشكلة اليوم في الرأي العام وتوجهه نحو المنصات البديلة التي جعلت نسبة هامة من هؤلاء يفقدون المعايير الأخلاقية وينخرطون في هذا التلوث الفكري. وبالنسبة لاستعمال المرأة تعتقد شويخ أن النظرة للمرأة اليوم اختلفت بسبب المساواة (نسبيًا) مع الرجل وتوليها مناصب في السياسة والقضاء والادارة والامن وبالتالي لم تعد صورة المرأة تثير المشاهد أو تؤجج مشاعره وتجذبه لمتابعة برنامج ما، إلا في حالات نادرة، فالمشاهدون يبحثون اليوم عن برامج تقدمها ربما امرأة جميلة ولكن المضمون جميل أيضًا وقلة هي البرامج التي تقدم المرأة بصورة مبتذلة خاصة أن الإباحية وبعض المشاهد الجنسية أصبحت متاحة في الانترنت وعليه فإن التابوهات أصبحت موجودة أينما كان والمشاهد المثقف والواعي لا يتأثر. واضافت شويخ: القيم سقطت في المجتمع وبعض البرامج تعبير عن هذا المجتمع والمطلوب صحوة تربوية وتأهيلية على مستوى المدارس والجامعات والوزارات من أجل التمسك بالضوابط الأخلاقية فالاعتماد على وسائل الإعلام في عصرنا هذا هو ضرب من الجنون لأن كثير من هذه الوسائل تحتاج إلى “نفضة”” إصلاح الإنسان أولاً يؤدي الى اصلاح هذه البرامج ” .
رخص إعلامي ومحتوى فارغ
أما الاعلامية اللبنانية الناشطة الاجتماعية لينا دبسي فقالت لـ “جسور”: للأسف بعض برامج التلفزة اليوم توصف بالرخص الاعلامي، وهي ليست فقط انتهاكاَ للمرأة وانما ايضا لتدمير جيل الشباب، جيل المستقبل من خلال برامج تافهة محتواها فارغ من اي ثقافة.فهل يعقل أن يسأل مذيع ضيفه “هل تتزوج من مطلقة”؟ هل يعقل ان نرى فتاة والدها شيخ ديني تطل ببرنامج يدعو الى الفجور ومحتواه بالكامل يخدش الحياء ولا يصلح ان يدخل كل بيت؟ كيف يحق لمقدم ومعد برنامج ان يسمح لفتاة بخلع ملابسها على الهواء مباشرة واكتفت بملابس البحر من قطعتين لتعلن انها لم تخضع لاي عملية تجميل! سيعللون ذلك بأنه ليس وقت الاطفال وانه مخصص للكبار ولكن الكبار على أنواع منهم المتدين والمتطرف والمنفتح لا يجب أن نقدم هكذا محتوى على قناة لبنانية محلية مفتوحة موجهة للعائلة اللبنانية. ما الذي يهدفون له، هل نسبة المشاهدة هو فقط الهدف، هل نوعية البرامج هذه مطلوبة لتدمير عقل الشباب الذي يعاني الأمرين ببلد مهدم اقتصاديا، امنيا، اجتماعيا، تربويا؟. هل الهدف هو توجيه فئة الشباب الى الطريق الاسرع لكسب المال من خلال الفجور الاخلاقي؟. كيف لنا ان نسمع ومن خلال قناة محترفة معظم الاعلاميين يطمحون للعمل بها ان نسمع عبارات لا يجب ان نسمعها “لا يا حبيبي الرجال مش بالكفية وبالرشاش، الرجال بالفرشة” والسؤال الأبرز: ما الهدف من عرض البرنامج وقد صور من ٤ سنوات بالوقت الذي حظرت فيه بعض دول العالم تيك توك كون هناك عدد كبير من الشباب والصبايا يقدمن محتوى ايحائيا جنسيا من اجل الكسب المادي. فليلعب التلفزيون ومن خلال برامجه الهدف الاساسي تجاه المجتمع وهو الاعلام الصحي لزيادة الوعي والتثقيف لدى المشاهد وليكون قدوة لوسائل التواصل الاجتماعي وليس العكس .
برامج تنتهك القيم
وتقول الإعلامية اللبنانية سماح خليل الحاج لـ “جسور”: يمكن وضع ضوابط من قبل وزارة الاعلام والنقابات التي تُعنى بالإعلام المرئي والمسموع، لمنع برامج كهذه من استغلال وجود المرأة واستخدامهاكسلعة في خدمة الحصول على نسبة مشاهدة عالية مشيرة الى أن مسألة وضع الضوابط الاخلاقية تقع على عاتق الجهات الرسمية. وتضيف الحاج:القنوات التلفزيونية المسؤول الأول والأخير عن هذا المحتوى والمقدم والمعدّ أيضا يتحملان المسؤولية، فهما الوحيدان القادران على تفادي مرور هكذا محتوى. وأضافت :لا شك أن هكذا برامج تجذب المشاهد بغض النظر عن بيئته وتوجهاته وجنسيته. لكن الخطير في هذا النوع من البرامج أنه خادش للحياء،يجعل كل التجاوزات اللاأخلاقية طبيعيةً لأن المشاهد يعتاد على رؤيتها في اكثر من محطة والخطورة الاجتماعية هي على الجيل الجديد، لأن كل هذه الافكار تضرب القيم الاخلاقية والاجتماعية بعرض الحائط.