X

عبدالباقي جبارة .. يكتب .. ” فزع الحروف ” .. كمال الجزولي ” الرجل الثورة “

     بعد خروجه من آخر اعتقال له بسجون نظام الانقاذ البائد وذلك قبيل سقوط البشير بفترة قصيرة حدد لي موعد لإجراء حوار بمكتبه بشارع الجمهورية الساعة الواحدة ظهرا احد ايام العمل وقبيل الموعد المضروب اتصلت علي سكرتيرته الوفية جدا والمرتبة جدا ” ليلان ” وابلغتني بأن الاستاذ يطلب منك ان يكون الحوار بمنزله بشمبات بدلا من مكتبه ويبدو أنه ما زال يعاني من رهق المعتقل وبالفعل وصلت في الزمن المحدد لأنني ادرك أنه رجل مرتب ودقيق للغاية ولا يجامل فقابلني بأريحية وترحاب ازالت رهبتي واعدت تملك مفاتيح ذاك الحوار الهام ، حقيقة وجدت نفسي وسط بحر من المعرفة وامام رجل صاحب فكر عميق ويملك مفاتيح العمل الصحفي ولذلك مجرد موافقته على الجلوس معي لإجراء الحوار يعد مكسب كبير والحمدلله توفقت في ملمح من محاور هذا الحوار في ابتدار النقاش فانداح معي بطريقة سلسة وتجاوز الحوار الواقع الراهن ودواعي اعتقاله الاخير ورؤيته لحراك ثورة ١٩ ديسمبر وذلك قبيل يصل محطته في ١١ ابريل .. بل طوفنا على الحزب الشيوعي السوداني وعلاقته به وطرح لي مقاربة ومقارنة بين الحزب الشيوعي السوداني والشيوعية السوفتية ” سابقا ” والصينية حتى وصلت محطة طرح سؤال حول عداء الاسلاميين للحزب الشيوعي هل هو فعلا من منطلق ديني وعداء مقدس أم منافسة وغيرة تنظيمية وخاصة الاتهامات الكبيرة للشيوعين من قبل الاسلاميين بأنهم مخربين للحياة السياسية والدينية والاجتماعية في السودان ، تفاعل مع هذا السؤال بطريقة فيها إحتفاء وقال لي ” والله المكاسب التي يحققها الاسلاميين للحزب الشيوعي لو جمعت عطاء كل الحزب الشيوعي منذ العام ١٩٤٦م لم يحقق ما حققه له الاسلاميين ” .. رغم طول هذا الحوار الذي أمتد لساعتين هذا الرجل لا يمرر لك ولا غلطة إملائية او نحوية في سؤال عابر او جملة اعتراضية ، على ما أذكر طرحت عليه سؤال فيه ” الموت سنبلا ” وحينها ضممت السين وعليه إذا كتبت تكون ” سنبلة ” ليصبح المعنى مختلفا تماما ، الرجل لم يتح لي فرصة تصحيح زلة لساني فصرخ من اعماقه ” سنبلا سنبلا ” بفتح السين وأعتذرت عن الخطأ دون تبرير فهدأ سريعا لعله تذكر أنني داخل منزله صراحة خجلت من نفسي على هذه الزلة التي كادت تفسد على هذا الحوار والذي بالفعل كان حوار اقلق مضاجع الأجهزة الامنية عندما مر من الرقيب القبلي و”جرجر” على إثره رئيس تحريرنا حينها في صحيفة الوطن الاستاذ يوسف سراج الدين الذي تلقى تحذيرا عندما نشر الجزء الاول وخشى من ثورة كمال الجزولي اذا تردد في نشر الجزء الثاني من الحوار خوفا من الأجهزة الأمنية وبالفعل فضل مواجهة الاجهزة الامنية على ثورة كمال الجزولي ونشر الجزء الثاني وقاده مباشرة لمباني جهاز الأمن وكان موقفا مشرفا من الزميل يوسف سراج الدين ..
المحطة الثانية لي مع الراحل الاستاذ كمال الجزولي هي تشرفت بأن اكون عضو في لجنة السياسات الاعلامية للدولة برئاسة استاذنا محجوب محمد صالح متعه الله بالصحة والعافية والتي أنجزت عدد من القوانين ابرزها قانون الصحافة الذي لم ير النور بعد بسبب انقلاب ٢٥ اكتوبر المشؤوم ، هذه القوانيين كان عرابها بامتياز الدينمو الاستاذ المخضرم كمال الجزولي وساعده في ذلك المحامي الضليع ساطع الحاج وعدد من الزملاء والاساتذة المخضرمين الذين سعدنا بوجودهم معنا في هذه المهمة الوطنية ونذكر منهم الدكتورة هند عباس حلمي جامعة الخرطوم الدكتورة روضة مدير اكاديمية علوم الاتصال ، محمدين ” الجبهة الثورية اسراء زين العابدين ، والزملاء حسام حيدر ومحمد الامين يسين ومقرر اللجنة الدكتورة اسماء التوم ممثل وزارة الثقافة والاعلام والتي كانت لها قفشات وسجالات مع الراحل كمال الجزولي وخاصة في دقة وتحديد مواعيد الاجتماعات .. على كل بفقد ورحيل الاستاذ كمال الجزولي فقدت بلادنا ركن ومرتكز هام من مرتكزاتنا الفكرية والثقافية والادبية والقانونية وعزاؤنا بأن منتوجه الفكري سيظل هاديا للاجيال وشخصيته نموذجا يحتذى ليخرج لنا اناس يحبون وطنهم ويعطون للحياة معنى وينتصرون لانسانيتهم .. الا رحم الله فقيد البلاد الاستاذ كمال الجزولي وانزله منزلا يليق بجلال كرمه وجوده ويجعل البركة في ذربته لتحفظ أثره .. انا لله وانا اليه راجعون