X

عبدالباقي جبارة .. يكتب .. ” فزع الحروف ” .. أعتذر لكل لاجئ !

   نعم أعتذر بكل صدق لكل لاجئ اختار بلادي ملاذا حين كانت بلادي خيارا  اختياريا او اجباريا لجيراننا من دول الجوار وخاصة من اثيوبيا واريتريا وتشاد وغيرها ، نعم أعتذر بشدة رغم اني لم اذكر بأن اسئت لانسان بسبب السودان ليست وطنه لكنني الآن الآن أشعر بوخز الضمير لعل يوما قد اكون صدٌقت النظرة السطحية لبعض مجتمعاتنا التي ترى في اللاجئين مجرد اناس لا أصل لهم ولا قيمة اجتماعية لهم يبحثون عن ذواتهم عبر الاعمال الهامشية ، الاقوياء منهم مسخرين لخدمة الشعوب الاصيلة والضعفاء منهم عالة على الدول المستقرة ومواطنيها ، وقد نستعرض قضاياهم لماما خلال قضايا حروب المنطقة وافرازاتها وظلم الحكام المستبدين وازلالهم لشعوبهم ، لكن قليل جدا منا من يغوص في قصص اللاجئين الاجتماعية ويكتشف التضحيات الجسام والى أي مدى بلغ ظلم الانسان لأخيه الانسان ..
فكثير من الاحداث المزلزلة تأتي في هذه الدنيا رغم شرورها الظاهرة وخسائرها الباهظة بما فيها الحروب والكوارث الطبيعية مثل الزلازل والاعاصير والحروب رغم خسائرها الكارثية الا أنها حتما تؤدي الى استفاقة لكل صاحب بصيرة وكثير منا ” في غيهم يعمهون ” .. الآن الآن وبسبب الحرب الدائرة في وطنا السودان أي سوداني خارج وطنه وانا واحد منهم اصبحنا لاجئين بامتياز سواء لجوء مباشر وفرار بعد اندلاع الحرب او عالق لا يستطيع أن يعود لوطنه بسبب الحرب ، بغض النظر عن وضعنا القانوني سواء كان مسجل في احدى المفوضيات واصبحت تحت الحماية الدولية أو حظيت بإقامة في البلد المضيف وكذلك اصحاب عقودات العمل أو اصحاب اعمال وامتلاك عقارات وشركات او ارصدة في بنوك خارجية لم تتأثر بنهب حرب الخرطوم أو غير ذلك ” لا شئ يعدل الوطن ” وكل من يخادع نفسه وأنه أعز من الآخر عليه مراجعة نفسه جميعنا جميعنا رموز مجتمع مثقفاتية علماء ومعلمين بروفسوريات عمال رجال اعمال اننا اصبحنا شعب بلا وطن الآن او لم يسعنا وطننا وأن جميع شعوب العالم وبدون استثناء مهما كانت عبارات المجاملة اصبحوا ينظرون إلينا كما كنا ننظر لشعوب دول الجوار مثل تشاد ، افريقيا الاوسطى ، اثيوبيا ، الصومال ، اريتريا او نصفنا الجنوبي دولة جنوب السودان الحديثة وعلينا ان نتقبل ذلك بكل اريحية بدلا من كلمة يا حبشي او يا جنوبي او يا تشادي التي كانت تعتبر اساءة الآن يمكن يقال ” امشي يا سوداني ” ويا للاسف انها ليست ” انا سوداني ” للراحل العطبراوي بل سوداني يعني يا لاجئ وأي انكار لذلك نصبح كالذي غطى رأسه وترك مؤخرته للعراء .. وكما تدين تدان ونتمنى أن لا يصيب ما اصابنا شعب آخر مهما كانت نظرته الينا لعلنا ندرك ان ذلك ليس نهاية المطاف وقد تكون الحكمة في أشد الناس بلاءا الأنبياء ثم الاولى ثم الأولى ذلك إن كنا نعتبر انفسنا ارفع شعوب العالم قيما واخلاقا وإن الحكمة في ما اصابنا اليوم فقط ادركنا بأن كل لاجئ كنا ننظر اليه بسخرية او بوضاعة أو استخفاف من خلفه قصة انسانية ، هنالك اللاجئ الذي رفض الاستسلام والخنوع والمداهنة وهنالك اللاجئ الذي رفض أن يكون اداة لنزوات الحكام وهنالك لاجئ في قمة الايثار ضحى بالعيش في وطنه ورضا بإهانة كرامته من اجل أن يعيش آخرين أو أن تظل القيم الانسانية جذوتها متصلة ، لفت نظري هذه الايام بأن عدد من زملاءنا الصحفيين السودانيين لجأوا لقراءة أو إعادة القراءة لرواية الكاتب الاريتري حجي جابر تحت عنوان ” مرسى فاطمة ” والملفت للنظر المقولة التي استهل بها هذه الرواية ” الوطن كذبة بيضاء يروج لها البعض دون شعور بالذنب ويتلقفها آخرون دون شعور بالخديعة ” ولم يفسر سبب استخدامه لهذه المقولة الا من خلال سرد معاناته في وطنه الرواية والتي تبدو للوهلة الاولى كقصة غرامية وبطلها عاشق يضحي بحياته من اجل معشوقته لكنها في حقيقتها تستبطن ازلالنا كشعوب من قبل حكامنا في دول العالم الثالث وكشفت عن جرائم وفظائع في حدودنا المشتركة مع دول الجوار ستظل حاضرة امام محكمة التاريخ ولن تسقط بالتقادم ما دام مرتكبيها ما زالوا احياء يمشوا بيننا .. وننصح الداعمين لاستمرار الحرب ونافخي كيرها من اجل استرداد كرامة الحرائر اللائي اغتصبن والديار التي استباحت كما يزعمون عليهم الاطلاع على رواية حجي جابر ليدركوا بأن ايقاف الحرب فقط واقامة الدولة المدنية هو من يوقف هذه الانتهاكات ويحفظ كرامة الانسان واستمرار هذه الحرب هو معاقبة الحراير مرتين اذا كنتم تعلمون بالمرة الاولى عليكم ان تنظروا لصفوف الحراير في ابواب مفوضيات اللاجئين والمهربات في الصحارى مع تجار بشر بلا اخلاق بل النظر بعين العقل لردة فعل الدول التي ضاقت زرعا بتدفقات شعبنا اليها واصبحت تعدل في قوانينها من حين لآخر لنصبح غير مرحب بنا في اي دولة .. ايقاف الحرب وحده هو من يزرع الامل لاستعادة الوطن ولسترداد كرامتنا المغرر بها  ولا يعني ذلك الافلات من العقاب لكل من اجرم في حق هذا الشعب .
وأخيرا وليس آخرا شكرا لكل الدول التي لجئنا اليها وفتحت لنا ابوابها كما كان السودان يفتح ابوابه وان لم يكن اصلا لديه ابواب فهو مشرع لكل شعوب دول الجوار فقط ضاق باهله ، ونحن حقا متقبلين كل ما نواجهه من هنات في ملاجئنا الآن وهو اقل عقاب لنا  وإن ” الشاة لا يؤثرها السلخ بعد الذبح وما لجرح بميت ايلام ” ! …