X

أميرة سعد الدين تكتب .. ابناء النجوم فى الميزان ..هل الفن يورث؟

أميرة سعد الدين تكتب .. ابناء النجوم فى الميزان ..هل الفن يورث؟

عالم نفس: الموهبة تورث جينياً.

محمد عجاج: نانسي عجاج (أوفر) ونهى تتقمص شخصية والدها.

أمين عام المهن الموسيقية: مسألة وجود جين فني وراثي مجرد أكاذيب.

(هل الفن يورث؟) هذا السؤال طرح مراراً وتكراراً على النجوم الذين خرجوا من عائلة فنية، وطالما اختلفت الإجابة فهناك من يقول أنه  يورث وأخرين يقولون العكس؛ من الملاحظ امتلاء الساحات الفنية بابناء المطربين والممثلين في كثير من انحاء العالم، ومن الاسماء التي أكتسحت الدراما المصرية محمد عادل إمام إبن الممثل المعروف عادل إمام وإيمي ودنيا سمير غانم إبنتي سمير غانم وغيرهما من نجوم الدراما المصرية، ولدينا ايضاً في السودان الكثير من الذين سلكوا طريق ابائهم المطربين، وايضاً ظهرت بعض الاسماء الدرامية المردفة بإسم درامي معروف، (ترياق برس) فتحت ملف التوريث الفني للإجابة على السؤال ما بين القوسين اعلاه من قبل مختصين، وطرحت بعض الاسماء على سبيل المثال وليس الحصر لمعرفة مدى إمكانياتهم وقدراتهم، وهل إذا كانت شهرت الاباء والامهات تساعد في نجاح الابن أم لا فالى مضابط التحقيق.

تحقيق- أميرة سعدالدين

انتقال العدوة

اعتبر دكتور هاشم عبدالسلام (الامين العام للمجلس القومي للمهن الموسيقية والتمثيلية) أن مسألة وجود الجين الفني الوراثي مجرد أكاذيب، ويوجد في السودان تحديداً أسر فنية قديمة وعريقة ولم يكن للمسألة علاقة بالميراث اطلاقاً، بل لها علاقة بالرغبة، وتابع حديثه: الظاهر من التقاليد الفنية الموجودة داخل هذه الاسر الفنية الكبيرة أن عدوى الفن تنتقل من جيل إلى أخر، ولا تقتصر على الاصول بل يمكن أن تتطاول الفروع إلى المصاهرة، كون أن المصاهر أصبح جزء من هذه الأسرة الفنية العريقة، ولكن تبقى سمعتهم مرتبطة بسمعة الأب الأصل صاحب الموروث الغنائي والذي فرض نفسه بفنه وإبداعه عند المتلقي السوداني حتى ذاع صيته خارج السودان، وأكد “هاشم” أن هولاء يفشلوا في النهاية لانهم حاولوا أن يرتدوا العباءة للظهور وتحت مظلة(أنا أبوي فلان الفلاني)، ولكن المادة التي يقدموها لا تتصف بالنص الإبداعي المطلوب، ولا تتفق مع شكل المواكبة والتطور ولا شكل الحداثوية الموجودة على مستوى الداخل والخارج، مثال أصيل ابن الفنان الراحل أبوبكر سالم والذي طال وجال على مستوى المسارح العربية وحاول أن يقلد والده ولكنه لم يكن مثله بل شوه والده، ورفضه الجمهور العربي تماماً، وقد نصحه والده نفسه بأن يسلك دربه الخاص ويخرج عن عباءته، ولدينا ايضاً بلقيس ابنة الفنان اليمني المشهور أحمد فتحي، والتي قدمت معه (دويتو) كبير جداً، ولكنها حالة مختلفة لانها تدربت ودرست في المعهد العالي للموسيقى، ولا علاقة لها بأحمد فتحي، وأضاف “هاشم” لدينا في السودان نماذج لابناء يغنوا لابائهم، وفي الغالب تكون أصواتهم مقاربة لهم وهذه الطامة الكبرى والكارثة، حيث تصبح هنا حالة المحاكاة والتقليد التي لا تُغني ولا تُثمن، فهو لا يذكّر الناس بصوت والده لان أغنياته موجودة بالأساس في المكتبة والأسافير والتسجيلات الرسمية.

بصمة

وجزم د- محمد سيف (اتحاد المهن الموسيقية) على استحالة توريث الفن لأن لديه علاقة بالإبداع، ولكل شخص صفة وبصمة وملكة خاصة واستعداد خاص بالنسبة للاحساس الفني، فحتى التوأم يستحيل أن يتطابق استعدادهم الفطري أو الفني، ويكون لكل منهما ميزة خاصة به، وأشار إلى وجود ابناء لفنانين أو شعراء لا يحبون الفن، نسبة لطبيعتهم وخاصيتهم التي لا علاقة لها بالفن (الاستعداد الفطري)، ونوه “محمد” إلى أن شهرة الوالد أو الوالدة تؤثر على نجاح الإبن، ولكنه شدد على أن تقليد الأب بصورة طبق الأصل قد يُفشل، لان بصمة الصوت كبصمة الأصابع، وهناك كثير من الذين قلدوا الكاشف وعثمان حسين و (5) أو (7) قلدوا محمد وردي ولكن لم يضيفوا لهم شئ، فالشخصية مهمة ويجب أن يكون لدى كل شخص شخصيته وبصمته الخاصة، وقال “محمد” إن الاف الفنانين حاولوا أن يتغنوا بأغاني ابائهم ولم يستطيعوا لأن المسألة متعلقة بجانب الإبداع، (فأنا أبوي فنان ما معناها أنا أبقى فنان) وهناك من عمل أغنية أو أثنين وترك الفن.

ابناء الفنانين

واتفق معهم محمد عجاج (أستاذ صولفيج وتربية صوتية) في أن الصوت لا يورث وقال إن علم الجينات والفيزياء والاحياء يؤكدون أن الصوت والبصمة والأعين من الاشياء التي لا تتكرر، وزاد: قد يكون هنالك تشابه في اسلوب الاداء في محاولة تقليد شخص معين، ولكن لا يكون هناك تطابق بنسبة (100%)، بل يكون التطابق في الاداء ومخارج الحروف وتنفيذ بعض الجمل الموسيقية، وقال “محمد” إن مسالة استقلال شهرة الوالد أو الوالدة لم تنجح في السودان، وإن كثير من الاسماء كان ابائهم يملئون الساحة بالغناء والطرب، وحاولوا أن يسيروا على خطاهم ولكن لم يستطيعوا النجاح وكسب جماهيرهم، فالناس قد تجامل في فترة من الفترات وتسايره لفترة طويلة، ولكن يكتشفوا أنها صورة مشوهة لفنان سابق عاش في وجدانهم ثم يتساقطوا، وطرحت (ترياق برس) بعض اسماء ابناء الفنانين على “محمد” للحكم عليها، فقال عن شريف شرحبيل أحمد، إن الحكم الفردي على شخص وسط المجموعة صعب جداً، لان المساحة التي يؤديها ضيقة، ولكنه رجل فنان ولديه خيال وأسع، وممتاذ في الاداء، ولكن تواجده مع المجموعة جعل انطلاقه غير واسع، وقال أنه لم يسمع للحارس ابن حمد الريح كثيراً، ولكن لا يشعر بأنه استطاع أن يغطي المساحة التي غطاها والده، وأعتبر “محمد” أن الحكم على محمد بشير إبن الفنانة حنان بلوبلو والشباب أمثاله صعب، لأنه يقدم ما يريده الجمهور، ويؤدي موسيقى أو لحن قصير المدى وليس فيه نفس عميق، وقال إن محمد استطاع أن يستقل أن والده كان فناناً ووالدته فنانة ذات شهرة وأسعة ومعروفة وحاول ان يركب هذه الموجة، ولكن إذا خرج من هذه المنطقة وقدم رسالة معينة بإستراتيجية معينة بداخله، أظن أنه يمكن أن ينجح، ويرأى أن محمد ابن الفنان خضر بشير، يقلد والده، ولكن إذا كان حاول اكتشاف نفسه لوجد مساحة أوسع من والده، وأشاد بعزالدين أحمد مصطفى وقال أنه ملحن وباحث ممتاز، ورجل لديه خبرة في التلحين وطريقة الاداء السوداني، ولكنه تقمص ايضاً شخصية والده مما أخذ الكثير من حقه، أما في الحكم عن بنات أخيه بدرالدين عجاج، قال “محمد” إن الجوء الفني الذي عاشت فيه نانسي عجاج في طفولتها مع والدها رحمه الله وأنا عمها وعمها سيف عجاج، أعطاها إحساس عالي جداً، فبعض المرات تكون (أوفر) وحساسيتها وشفافية اداءها أعلى من الجملة الموسيقية المعينة، ولكنها أخذت مساحة طيبة جداً في نفوس الناس، وأصبحت نجمة معروفة، وأتمنى أن تهتم بتقديم غناءها الخاص أكثر من أغاني الناس، حتى تأخذ مساحتها وتأخذ اسمها وتأتي بإسم عجاج، أما نهى عجاج فإهتمام والدها رحمه الله بها خنقها في نمط معين من الاغاني والالحان، وهو كان رجلاً مبدعاً ومبتكراً ولديه أغاني جميلة غناها مصطفى سيدأحمد وكثير من الفنانين، ونهى تحاول أن تتقمص شخصية والدها، وهذا فيه خطورة عليها، ويفترض أن تشكل الألحان وأساليب الاداء والغناء حتى تأخذ مساحتها، وهي أجمل الأصوات التي سمعت.

قدرات إلهية

جلست (ترياق برس) الى مختصين وخرجت بافادات في جانب التوريث الفني الدرامي، ومن ناحيته أكد عادل حربي (مخرج مسرحي ونائب عميد كلية الموسيقى والدراما) على أن أمر التوريث في الفن غير دقيق وغير علمي، ولكن صحيح هناك ما يعرف بالجينات المعنوية أي لديها البعد المعنوي، وواصل حديثه قائلاً: إن الفن قدرة إلهية يمنحها الله للإنسان وقد يهبها الله لأحد هؤلاء الورثة بأن يصبح مبدعاً، ولكن تبقى قوتها في التوارث بالقدرات الإضافية المكتسبة، والتي تكون أكثر عند الشخص الذي يكون في بيئة فنية من أي شخص أخر، لان البيئة من حوله تجري انعكاسات فنية عميقة، ويؤمن “عادل” بأن التأثير البيئي حول المبدع أكبر من التأثير الجيني، فالجوء والظرف الأسري العام يجعله أكثر ابداعاً واكتساباً وأكثر تجدداً، وزاد: فأنا مثلاً من أسرة فنية والدتي كانت أول عازفة عود في السودان، وخالتي عائشة الفلاتية، فالبيئة الموسيقية هذه قد تكون أكسبتني وأثرت فيني على أن أعمل مسرحيات غنائية، وهناك إبنة محمد نعيم سعد ذهبت في مجال الغناء، أي أن الظروف البيئية حول ابناء المبدعين تساعد على أن يدخلوا في المجال الفني بشكل عام، ولكن هل يتوارثوا نفس نواع الفن، هذه غير أكيدة، وأكد “عادل” أن الشخص الذي لا يملك موهبة لا يمكن أن يكون فنان اطلاقاً، بل يمكن أن يكون مقلداُ فقط، ولا يمكن أن يكون مبتكراً ابداءً، فصفة الابتكار مرتبطة بالقدرة الإلهية، لذلك الفنانين (يتعدوا بالاصابع)، فالاكتساب لوحده غير كافي بأن يصبح مبدعاً بدون موهبة، والموهبة نفسها بدون تدريب وتعليم وممارسة وثقافة لا يمكن أن تصبح مبتكراً على الاطلاق.

نماذج قليلة

د- اليسع حسن أحمد (أستاذ النقد والتأليف في كلية الموسيقى والدراما وأستاذ النقد والتأليف في جامعة طرابلس سابقاً، صحفي ناشر) قال إن الإهتمام هو الذي يورث (أنا خضت التجربة إبني يخوض ذات المجال) وليس الموهبة، فالموهبة هي هبة ربانية واستعداد نفسي وبعدها يأتي العلم، وأضاف (اليسع) إن معايير التوارث بسيطة جداً، أي أن يخوض ابناء الممثل أو المخرج أو المنتج ذات المجال، فجميعهم يخوضوا تجارب مختلفة مثال ابناء الفاضل سعيد كافة والذين لديهم اهتمام ولكن لم يظهروا محل والدهم، فنماذج الغناء لدينا أكثر من الدراما، وأضاف: للأسف إن الكثير من السودانيين الذين خاضوا التجربة الدرامية منعوا ابناءهم من خوضها، حتى ولو كانت لديهم الموهبة، وأنا أعرف حالات كهذه، باعتبار أنها تورث (الفقر، المشاكل، القرف، الهم والغم)، أما في مسألة النجاح تحت مظلة شهرة الأب فقال (اليسع) إن هذه المسألة يمكن أن تكون في العالم الثاني والدول التي لديها خبرة طويلة، مثال التجربة المصرية والسورية والتركية، ولكن لا أظن ذلك في السودان، فنحن ليس لدينا تجارب نحكم عليها من الرواد الذين ظهروا في الدراما استفادوا من تجربة أحد أفراد عائلتهم، ويرأى “اليسع” ان ابن البيئة الفنية يمكن أن يكون أنجح من الاخرين، على الأقل من أجل قناعة الوالد بالممارسة، ولكن للأسف أغلب الفنانين لدينا دخلوا عن طريق الصدفة أو التمرد الشخصي، أي لم يجدوا دعم الأسرة، ولكن بدأت المعايير تلين لدينا نسبة للدخل المادي الذي يأتي به الغناء، فتخلصنا من المعايير الأخرى السلوكية والاخلاقية والقيمية وغيرها، أما الدراما ليس بها دخل لذلك التشجيع عليها أقل.

حوش جمال

جمال عبدالرحمن أحد النجوم الذين خاض ابناءهم ذات المجال، قال إن الفن لا يورث، لانه يعتمد على الموهبة، والتي قد تكون عند الأب وليست عند الإبن والعكس، وتابع حديثه: يمكن أن يكتشف الأب أن لابنه علاقة بالفن، ولكن طموح هذا الابن ليس الفن ولا موهبته ولا توجهه في الحياة، فمثلاً منهل ابني لم يسلك الطريق كتوجه مثلي أنا أو احتراف وكذا، ولكن ذهب في أن يعمل مصارف، وقال: إذا عدنا إلى ابناء المغنيين نجدهم جميعاً فشلوا في أن يغنوا كابائهم، وقيم “جمال” ابنه قائلاً إنه (كويس) ومجتهد جداً، بالرغم من أنه لم يدرسه، وقال أن اداءه في مسلسل (حوش النور) كان بنسبة (90%).

توريث جيني

أما الجانب النفسي فله رأي مخالف، إذ ترأى د- إبتسام محمود (استشاري علم النفس) أن الموهبة يمكن أن تورث جينياً، ويمكن أن يرث الابن جمال صوت والده أو والدته، وقالت إن التوريث هو الدافع الاول لسلك الابناء طريق ابائهم، من ثم القدوة، فإذا لاحظنا أن مجتمع الاطباء كافة يكون لديهم ابناء اطباء والمهندسين وكذلك يمكن أن يقتدي الابن بأبيه في الفن، وليس بالضرورة أن تمضي الأسرة كافة في ذات النهج، فالموهبة يمكن أن يرثها شخص أو اثنان، وأضافت “إبتسام” من الدوافع ايضاً ميول الشخص وإهتمامه ومحبته للشئ وإعجابه بوالده أو والدته، وذهبت: قد يكون لدى الابن موهبة ولا ينجح نسبة للظروف من حوله، فإرث الموهبة وحده غير كافي، إلا إذا تمرن وحاول دراسة الموسيقى والصوت ويطور من اشياءه ويعطيها زمن، وقالت: إن من يحاول أن يستفيد من اسم والده ويحاول تقليده ايضاً لا ينجح، وزادت “إبتسام” يمكن أن يجبر الأب إبنه على سلك ذات الطريق إذا كان هو فنان مبدع ويؤمن بالفن، يمكن أن يشجع ابنه على أن يسلك ذات المجال، ولكن لا يمكن أن ينجح من دون الرغبة، ولكن الرغبة نفسها يمكن أن يصنعها الاب في الابن منذ طفولته (صوتك جميل، أنا فخور بيك…) ويأتي به لاصدقاءه ليغني لهم، فهذا يعجب الطفل ويصبح لديه رغبة في المستقبل وهذه ما يسموها بالميول والاتجاهات، فالتربية يمكن أن تجعل الطفل يميل لشئ محدد.