X

” الكجور” من أهم الطقوس الروحية لقبائل النوبة

الخرطوم / ترياق نيوز

تعتبر طقوس “الكجور” من أهم الطقوس الروحية لمجموعات كبيرة من قبائل النوبة (المدائن)
تحتفي البلاد بتوقيع التفاهمات الأولية بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال جناح القائد عبدالعزيز الحلو، بعاصمة جنوب السودان جوبا، وتعيش شعوب النوبة السودانية حالة من الفرح والترقب لوقف الحرب نهائيًا والبدء بمرحلة الإعمار والبناء في ظل السلام. واليوم نلقي نظرة على ثقافة قبائل جبال النوبة، والأبعاد الروحية التي احتلت مكانة واسعة في تشكيل هوية هذه القبائل.

وتعيش قبائل النوبة في جبال تحمل ذات الاسم، وتعد من أقدم القبائل بالسودان، ولهم امتدادات تاريخية مع قبائل النوبة بشمال البلاد.

ويقسم الباحثون قبائل النوبة لعشر مجموعات منها مجموعة “الاما” التي تقطن شرق جبل “الداير”، وعشيرة “النمم” المتواجدة في مناطق الجبال الستة، ومجموعة تيفين” و”تولوسي” التي تقطن جنوب الجبال، وقبائل “كواليب” إضافة إلى “دفوفة” و”التاجو” و”تلودي” و”الليري”. والمعروف عن قبائل النوبة استخدام “الكجور” للحماية الروحية، واليوم نتعرف على واحدة من أهم ثقافات “أرض الذهب”.

ماذا نعرف عن الكجور؟

بحسب باحثين في التراث السوداني، فإن الكجور تعني روحًا خارقة لها صفات فوق بشرية، تتقمص الروح شخصًا تختاره وفقًا لصفات معينة منها حب الخير للناس وارتباطه بالطبيعة والجذور، وأن يكون شخصًا ذو سلوك مستقيم. بعد حالة التقمص التي يمر بها الشخص المختار يمتلك قدرات هائلة بحيث يعالج ويشفي المرضى ويكون له قدرات غيبية وينزل المطر من خلال القيام بطقوس معينة، ويجلب الخير.

وبحسب ما يقول الموسيقار والفنان عاصم الطيب لـ”الترا سودان”، لا يمكن لكلمة باللغة العربية أن تعطي مرادف للمعنى. وبحكم معايشة عاصم الطيب للكجور بمناطق السودان وخضوعه للعلاج بها، يعطي تعريفًا بأنها كلمة تعني الإنسان الحكيم ذو العلاقات الروحانية مع الطبيعة المرئية وغير المرئية. يوظف هذا الإنسان مقدراته لخدمة المجتمع وطالبي الاستشفاء.

ويروي عاصم الطيب تجربة علاجه قائلًا: “خضعت لعلاج بالكجور عند خميس الكجوري، صاحب نوبة الطريقة السمانية”، ويصف المعالج بالطبيب الذي يستخدم ملكات تشخيصية وعلاجات إفريقية سودانية روحية خالصة، ويضيف إنها تفردت عن مناهج الطب المادي الغربية والعربية، مؤكدًا بعد المعالج عن السحر والشعوذة.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب شغفه بالسياحة.. شاب سوداني يحظى بضيافة عمدة مدينة تركية

ويسترسل في الحديث بقوله: “خميس كجوري البرتا بالروصيرص وعديلة الكجورية القمزاوية وكجور الأنقسنا والنوبة يربطهم خط عرضٍ واحد، هم معالجون يوظفون الفراسة العالية والخبرة التراكمية في تشخيص الأمراض وتسميتها بمرجعيات خاصة بهم، تعلقوا بالطبيعة وورثوا أسرار العلاج بالأعشاب وعروق الأشجار”.

الانفتاح على ثقافة الكجور

زارت المحررة عدد من أسر النوبة التي انتقلت للعيش بالعاصمة الخرطوم منذ أزمنة طويلة للسؤال عن ماهية الكجور في الثقافة الشعبية، وجاءت الإجابات خجولة، حيث أكدوا التمسك بالشريعة الإسلامية، في إشارة إلى ما لحق بثقافة الكجور من مسميات مثل “وثنية”، وتوصيم عموم الثقافة الشعبية للشعوب السودانية.

نقلت المحررة تفاصيل الزيارة للكاتب مأمون التلب الذي أشار قائلًا: “للثقافات المحلية ديانات طبيعية، كثيرًا ما تكون مستبعدة عندما يفكر المجتمع السوداني بذاته”، ويشير إلى أن تجريم الديانات المحلية يبدأ من إطلاق التسمية بالوثنية.

وبحسب مأمون التلب، فإن كلمة وثنية تستخدم كـ”شتيمة”، وتذكر في الأشعار من باب المساواة وادعاء التعدد. ويمضي الكاتب مأمون التلب بالقول، إن الديانات المحلية السودانية غيبت بنشر المسيحية والدين الإسلامي، مشيرًا لدراسات كتاب جنوب سودانيين، تحدثوا عن قمع الديانات المحلية وتغيير الأسماء المحلية لأسماء أوروبية تزامنًا مع انتشار المسيحية.

ويطرح مأمون التلب سؤالًا: “لماذا تم نفي وتحقير الديانات المحلية من الوعي الجمعي؟” ويجيب بالقول: “إن المشكلة ترجع جذورها للتعليم”. داعيًا لتضمين الديانات المحلية ضمن المناهج التعليمية للتعريف بالديانات السودانية الأخرى، مشيرًا إلى أن المعرفة بها تعني المعرفة بأنفسنا.

ويعود الفنان عاصم الطيب ليشير إلى أهمية الكجور، قائلًا إنها لا تقل أهمية عند القبائل المؤمنة بها عن منزلة الأولياء الصالحين و”الفكي” عند المتصوفة. مشيرًا إلى أن العلاج الروحاني والمادي يعتمد على العقيدة والإيمان، ونبه عاصم الطيب إلى أهمية العامل النفسي الواقف بين الأبعاد الروحية والمادية.

إن السلام لا يعني الاتفاقات السياسية بين السياسين، إنما يجيء بالمقام الأول لرتق النسيج الاجتماعي والانفتاح على ثقافة الآخر المختلف، وهذا ما سعى التقرير جاهدًا للكشف عنه، عبر تسليط الضوء على ثقافة “الكجور”.