X
    Categories: اعمدة

ليلى الحيمي .. تكتب .. لابد لي أن اموت كي أعيش !

أن الحياة التي مررت بها يا صديقي لم تكن عادية يوما ما. و ربما لا تصدق أنني لو اخبرتك أن كل موقف سيء بالحياة قد مررت به وبكل تفاصيله وتعلمت منه الكثير وبالرغم من صغر سني إلا أنني كبرت ونضجت قبل أواني وأصبح الجسد ذاته هالكا من هذا النضج المبكر والمتعب للغاية. وكأني حبة فاكهة ادخل عليها مادة كيميائيّة لتنضج قبل آوانها. وبالرغم من كل هذا ومما حصل من سيء، وأسوأ لي يظل بالداخل صوت يقول لي: هنالك أمل لابد أن أحارب من أجله وأنهض. ولكن في الحقيقة يا صاحبي: أنه الموت البطيء وكأني ميت جثة هامدة تتحرك ، لكن لا حياة فيها. فما أقساها من حياة وما أقساها من معاناة.

إن كل قصة فيها معاناة ووجع وألم لم تخلو مني ومن كل تفاصيل حياتي وكأنه كتب علي أن أكون جزء لا يتجزأ من حكايات الوجع والخذلان والألم..
وتسألني نفسي عدة مرات: هل لهذه الدرجة أنني سيئة وبداخلي سوء العالم أجمع حتى يصيبني كل هذا ؟ أما أنه مجرد امتحان ولا بد أن أجتازه مهما كانت النتيجة ؟
ويظل الصراع بداخلي ينهش من جسدي كل يوم حتى يبقيه لا شيء.
أتساءل ألهذه الدرجة لم نعد نحن كما نحن واصبحت القلوب أشبه بكهوف مخيفة مظلمة ؟
أتساءل أين النور الذي كانوا يحدثوننا عنه يوم كنا صغار نسمع في التلفاز عنه وفي المدرسة وأن الخير سينتصر وأن الأشرار ستموت وأن الحرب ستنتهي وأن وأن ..وهلم جر من خزعبلات وكذب وإفتراء ولكن الحقيقة لا شيء من هذا كله…
كلها كانت شعارات من أجل غايات معينة وحتى عندما كانوا يسألونا في المدارس عن أمنياتنا وطموحاتنا في المستقبل ماكانت الا أشبه بالتحقيق والتفتيش المبكر لذواتنا.
أذكر ذات مرة معلمنا قال لنا : كل شخص منا لابد أن يكتب عن ماذا يريد أن يكون في المستقبل؟
فهرولت مسرعا لأفصح عن اجابتي واقم بكتابتها على ورقة وكأنني وجدت غايتي عند سؤاله وكأنه سؤاله خفف عني ثقل الحياة وهمومها فكتبت أني أريد أن أكون شيء مختلف وومميز كسياسي محنك أو قائد دولة وما إلى ذلك من حلم القادة لأصنع شيء مميز لوطني ومجتمعي.
. فماهي الا لحظات حتى أخذ المعلم ورقتي ووبخني عليها ومزقها أمام أعيني وأخرجني من الفصل وأخبر مدير المدرسة عني واستدعي ولي أمري.
أتى والدي فقد كان آنذاك موظفا بسيط في الدولة يعمل كخدمة عملاء في القطاع الصحي فعندما أخبروه بأمري وعن جريمتي التي أرتكتبها بحلمي.أتى مهرولا ليوبخني هو الآخر ويعتبر ما حلمت به جريمة لابد لها من عقاب.
وبالطبع تعهد لمدير المدرسة بأن يعطيه مهلة أسبوع حتى يجدني شخص آخر.
فأعطاه مدير المدرسة تلك المهلة. وفي الحقيقة والدي لم يقصر أبدا في غرس فكرة أني لابد أن أكون ميت رغم أني حي وأن اكون تبعا لا قائد والأهم أن أكون لا شيء.
وبعدها عدت إلى المدرسة قرر المعلم أن يختبرني مرة أخرى ليرى هل حقا تغيرت أم أني مازلت كما أنا.
فأعطاني ورقة وطلب مني أن اكتب ماذا أريد أن أكون في المستقبل؟
فماهي إلا دقائق معدودة إلا واعطيته الورقة فسحبها مني بسرعة البرق فأستغرب وكانت من شدة أستغرابي أنه سألني لماذا لم تكتب شيء؟
أجبته على فور: أنا لا شيء وعقلي فارغ كهذه الورقة الفارغة.
أذكر وقتها كانت تباشير الخير والبهجة والسعادة على وجهه وكأنه اغتنم غنيمة عند إجابتي لسؤاله.
يالها من قباحة وبشاعة وشؤم.
ألهذه الدرجة لا يحق لنا ان نحلم.
يريدونا أن يسلبوا منا حتى أحلامنا رغم أنها أبسط الاشياء التي نمتلكها وبالمجان.
ألهذه الدرجة لا يحق لي أن اعيش ولا بد لي أن اموت وأنا حي.
ألهذه الدرجة يريدوني عبدا لهم لا قائد.
أدركت وقتها بأن كل ما تعلمته كان هراء وكذب وإفتراء.
فلا يوجد خير في بلد يموت فيه حلمي قبل أن أكبر.
وتموت فيه روحي قبل جسدي.
ويموت فيه عقلي وفكري قبل قلمي.
فأين الخير يا صحبي؟
لا تقل علي بأني متشائم أو أنني أدعوا الناس للتشاؤم. ولكنها الحقيقة فالواقع خير من يحكي عن حالنا وخير شهيد للعلن.

فلا خير فينا ولا في أمتنا مادمنا ننتهج طريق الظلم والسلب لتربية ذواتنا قبل قبل أولادنا وأجيالنا من بعدنا.

فياترى هل حلمي مازال له صوت يصرخ أم أنه الآخر مات وخمد بداخلي كجثة هامدة ؟!